الاضطرابات في الأسواق المالية العالمية وتساؤلات حول مستقبل هذه الأسواق

أجرته/ رباب سعيد مراسلة مجلة استثمارات الإماراتية شؤون مصر وشمال إفريقيا

 

 

شهدت أسواق المال العالمية اضطرابات واسعة النطاق في الأيام الأخيرة، وتراجعت الأسواق بالدول المختلفة وفي مقدمتها أسهم وول ستريت في الولايات المتحدة، كما انخفضت مؤشرات بورصة اليابان يوم 5 أغسطس 2024 إلى أدنى مستوى لها منذ 1987، وهو الانخفاض الذي تعرضت له أيضاً الأسواق الآسيوية والعربية والأوروبية، إضافة إلى خسائر النفط والعملات المشفرة، هذه الاضطرابات ترتبط بعوامل رئيسية في مقدمتها: استمرار المخاوف من ركود الاقتصاد الأمريكي، وذلك بالتزامن مع مواصلة التأزم في الاقتصاد الصيني، وتصاعد وتيرة التوترات في الشرق الأوسط، والمخاوف من اندلاع حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وإيران، وذلك فيما تتواصل انعكاسات الحرب الأوكرانية على الاستقرار داخل أوروبا. ومن ثم أسهمت هذه العوامل مجتمعة في خلق سياق محفز لتصاعد مخاوف المستثمرين، من أن أية علامات إضافية على هشاشة الاقتصادات الكبرى قد تنذر بمزيد من التقلبات، كما أدى التباطؤ في ألمانيا الشهر الماضي إلى تحذيرات من الركود، في حين أن زيادة أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الياباني أرسلت أسهم مؤشر “نيكاي” إلى أسفل بمقدار 2.216 نقطة، أو ما يقارب 6%

وعلى مدى الشهر الماضي تسبب احتمال الركود في بعض أكبر اقتصادات العالم في انخفاض كلفة برميل “خام برنت” من نحو 88 دولاراً إلى أقل من 78 دولارا ًومن ثمّ أسهمت هذه العوامل مجتمعة في خلق سياق محفز لتصاعد مخاوف المستثمرين، مما دفع بدوره لارتفاع حركة البيع في أسواق المال العالمية تجنباً للمخاطر، والبحث عن أصول تكون ملاذا أكثر أمنا

 

.ملامح رئيسية

 

وفي هذا السياق اكد “محمد ماهر خبير اسواق المال” رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية  ” لمجلة استثمارات الإماراتية” أن   أزمة أسواق المال العالمية ارتبطت بتراجع حاد في أسواق المال الأمريكية فقد شهدت أسواق الأسهم العالمية انخفاضاً في مؤشراتها الرئيسية في الأيام الأخيرة بقيادة أسهم وول ستريت الأمريكية، ففي يوم 5 أغسطس 2024 انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 2.8%، وهو ما يعادل 1118 نقطة، كما هبط مؤشر ناسداك بواقع 6.27% بما يساوي 1052 نقطة، وتراجع مؤشر استاندرد آند بورز 500 بنسبة 4.13% أو ما يوازي 220 نقطة، وانخفض مؤشر راسل 2000 بنسبة 7% تقريباً، وهو الأمر الذي كانت له انعكاسات على أداء مؤشرات الأسواق المالية العالمية

وأشار” ماهر” إلي تأثير مؤشرات الأسهم الآسيوية  والتي تسببت بتراجع الأسواق الأمريكية؛ حيث أوقفت بورصة اليابان التداول مرتين خلال يوم 5 أغسطس 2024، مع هبوط مؤشرها الرئيسي بأكثر من 10%، وتراجع مؤشر طوكيو الرئيسي (نيكاي) بنسبة 12.4%، وهو ما يعد أسوأ انخفاض تاريخي له منذ انهيار سوق الأسهم في أكتوبر 1987. وهبط مؤشر توبكس بنسبة 12.23%، وانخفضت بورصتا تايوان بأكثر من 8%، وسيول بأكثر من 9%، وتراجعت أيضاً أسواق الأسهم الصينية؛ إذ انخفض مؤشر هونغ كونغ هانغ سنغ بنسبة 2.13%. فيما سجل مؤشر شنغهاي المركب انخفاضاً بنسبة 1.54%، وكذلك مؤشر شنتشن بنسبة 1.85%.

وأضاف خبير أسواق المال “محمد ماهر” أن  تفاقم الأزمة في الأسواق الأوروبية: سجلت هي الأخرى يوم 5 أغسطس 2024 انخفاضات ملحوظة، فقد تراجع المؤشر ستوكس 600 الأوروبي بنسبة 3.1%، وتراجعت مؤشرات الأسهم الرئيسية عند الافتتاح لتنخفض في فرانكفورت بنحو 2.49%، وميلانو بنحو 3.31%، وكذلك باريس بنحو 2.42%، وأمستردام بنحو 3.05%، فيما تراجع سوق لندن بنحو 1.95%، ومدريد بنحو 2.79%. كما سجلت مؤشرات عدد من البنوك تراجعاً ملحوظاً وذلك على غرار بنك يونكريديت، ودويتشه بنك، وسوسيتيه جنرال، وباركليز

وأوضح رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية أن  العديد من أسواق أسهم البورصات العربية شهدت  خسائر ملحوظة خلال تداولات يوم 5 أغسطس 2024، وهي الخسائر التي جاءت متأثرةً بحالة التراجع في الأسواق العالمية، ناهيك عن استمرار التوترات في منطقة الشرق الأوسط نتيجة استمرار الحرب في غزة، والتصعيد المتواصل بين إيران وإسرائيل، وبقاء احتمالات الدخول في حرب موسعة بين الطرفين

 

وتابع أن أسهم قطاع التكنولوجيا شهدت  انخفاضاً شديداً في العديد من الأسواق، ففي بورصة أمستردام، تراجع سهم ASML بنسبة 4.46% وسهم “BE Semiconductor Industries” بنسبة 5.17%. وفي فرانكفورت، انخفض سهم إنفينيون “Infineon” بنسبة 2.34%. وفي باريس، انخفض سهم “STMicroelectronics” بنسبة 5.10% و”Capgemini” بنسبة 2.93%. وسجل عدد من الشركات الكبرى أيضاً يوم 5 أغسطس 2024 بعض الخسائر لتنخفض أسهم إنفيديا بأكثر من 6.3%. وانخفضت أسهم شركة ميتا بنسبة تفوق 2.5%. وتعرضت شركة مايكروسوفت أيضاً لخسائر بحوالي2.45%

 

ولفت أن العملات الرقمية والمشفرة  شهدت انخفاضاً في تداولها خلال الأيام الأخيرة، حيث عانت سوق العملات المشفرة من صدمات خارجية لارتباطها بالمحافظ المؤسسية مثل صناديق الاستثمار المتداولة في البورصات العالمية سواء في البيتكوين أو الإيثريوم، وبالتالي سرعة تأثرها بالأسواق المالية، مما أدى إلى تراجع عملة البيتكوين بنسبة 11.70% إلى 52217 دولاراً، وتراجعت عملة الإيثريوم بنسبة 15%، مع توقف مكاسب سولانا، وهبوط الأسعار في معظم العملات المشفرة الأخرى، وفقد السوق الأوسع للعملات المشفرة 2.2 تريليون دولار، جراء عمليات البيع الاضطراري، وظهور موجة من تصفية المعاملات في سوق المشتقات الرقمية

ارتفاع مخاوف المستثمرين

ارتفعت مخاوف المستثمرين، مما دفع بدوره إلى ارتفاع حركة البيع في أسواق المال العالمية تجنباً للمخاطر، والبحث عن أصول تكون ملاذاً أكثر أمناً.

وفي هذا الصدد أكدت “المحلل المالي حنان رمسيس “عضو مجلس إدارة شركة الحرية للأوراق المالية لمجلة الاستثمارات الإماراتية أن  مخاوف المستثمرين  ارتفعت من دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ركود، جراء نشر تقرير الوظائف الأمريكي لشهر يوليو 2024، حيث كشف التقرير عن نمو ضعيف في معدلات الوظائف، وارتفاع في معدلات البطالة إلى 4.3% مقابل 4.1% كانت متوقعة، والناجمة عن أعلى مستويات للفصل المؤقت منذ ثلاث سنوات وأدنى مستوى للتوظيف في القطاع الخاص منذ 16 شهراً، وأدت تلك البيانات إلى تراجع في سوق الأسهم والسندات، مع خسائر المؤشرات الرئيسية في بورصة وول ستريت في نيويورك

وأشارت “رمسيس” إلي  المخاوف من ركود الاقتصاد الأمريكي  دفع الكثيرين إلى التشكك في قدرة الاحتياطي الفيدرالي على التعامل مع هذا الركود المتوقع. وعزز من ذلك الوضع المعقد أن ثمة توقعات بأن يلجأ الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، بدلاً من 25 نقطة متوقعة، مما أسهم في ارتفاع القلق المتزايد بشأن العواقب الاقتصادية المحتملة للسياسة النقدية المستقبلية للاحتياطي الفيدرالي

وأضافت المحللة المالية “حنان رمسيس” أن البنك المركزي الياباني قام  بانتهاج سياسة نقدية تشددية بعد سنوات من أسعار الفائدة السلبية، حيث رفع المركزي الياباني أسعار الفائدة بأكثر من المتوقع عند 25 نقطة أساس، للابتعاد عن المخاطرة، وأدى هذا التشدد النقدي إلى جانب تباطؤ النشاط الاقتصادي الأمريكي إلى تسريع ارتفاع الين بشكل ملحوظ، مدعوماً بتدخلات البنك المركزي الياباني في سوق الصرف الأجنبية، مما أثّر سلباً على الشركات اليابانية المصدرة التي استفادت من انخفاض العملة اليابانية، حيث أسهم ارتفاع أسعار الفائدة في اليابان في تعزيز قيمة العملة المحلية، فانخفض الدولار أما الين الياباني بنحو 2.17% إلى 143.35 ين، وتراجع اليورو بنحو 1.99% إلى 156.72 ين

وأوضحت عضو مجلس إدارة شركة الحرية للأوراق المالية أسواق المال أن تعرضت لضغوط هبوطية جراء التوترات المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط بين إيران وإسرائيل، والمخاوف من اتساع نطاق الحرب بين الطرفين وخصوصاً بعد عمليات الاغتيالات الأخيرة في إيران ولبنان واستمرار الحرب في غزة، وترقب ردود الفعل الإيرانية على عمليات الاغتيال، وهو الأمر الذي دفع العديد من شركات الطيران لإلغاء رحلاتها إلى لبنان وإسرائيل، أضف إلى ذلك التخوف من إمكانية تأثير التوترات القائمة على تدفق إمدادات النفط من منطقة الشرق الأوسط

وتابعت أنه لا تزال هناك مخاوف أوروبية بعد الحديث عن تحركات لنشر منظومات تسلح وصواريخ جديدة في أوروبا وذلك في إطار المشهد المتشابك الذي أنتجته حرب أوكرانيا، ناهيك عن التصريحات الروسية عن عودة ما يُسمى الحرب الباردة، واستمرار الهواجس بإمكانية حدوث مواجهة نووية بين الدول الغربية وروسيا. وبطبيعة الحال أفضت هذه المعطيات إلى ارتفاع مخاوف المستثمرين ودفعتهم تجاه بيع الأسهم والأصول مرتفعة المخاطر

ولفتت أنه  بالرغم من مراهنة العديدين على دور شركات التكنولوجيا في الاقتصاد العالمي، فقد أثيرت بعض المخاوف مؤخراً حول طبيعة التغيرات في هذه الشركات خلال الفترة القادمة، ولا سيما مع خفض شركة “بيركشاير هاثاواي”، التابعة لوارن بافيت، حصتها في شركة “أبل” إلى 50%، ما دفع “بافيت” إلى التخلص من 76 مليار دولار من الأسهم. كما أن شركة “إنتل” كشفت مؤخراً عن خطط لخفض 15 ألف وظيفة بصفتها جزءاً من خطة تحول شاملة. علاوة على ذلك، فإن ثمة ترقباً بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على شركات التكنولوجيا

وحول التراجع الاقتصادي الصيني فقد كان له مردود على أسواق المال العالمية، فقد تباطأ النشاط في القطاع الصناعي بالصين خلال الأشهر الثلاثة الماضية حتى شهر يوليو 2024، وهذا الأمر ارتبط بمساعٍ غربية لسحب الاستثمارات من الصين، وقد أظهرت بعض المؤشرات تقلص أنشطة الشركات داخل الصين، حيث تراجعت العائدات الأجنبية للشركات المدرجة في الدولة إلى نحو 1.5 تريليون دولار فقط في عام 2023، وكان مخزون الصين من الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجي يعادل 17% فقط من الناتج المحلي الإجمالي عام 2023

ونوهت إلي بعض التقاريرالتي أوضحت  الاضطرابات في الأسواق العالمية إلى توجه المستثمرين إلى تنفيذ تصفية حادة لصفقات التمويل بالاقتراض، وبحسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط “اقترض المستثمرون أموالاً من اقتصادات ذات أسعار فائدة منخفضة مثل اليابان أو سويسرا لتمويل استثمارات في أصول ذات عوائد أعلى في أماكن أخرى، وهو ما يعرف بتجارة الفائدة أو Carry trade؛ إلا أنهم وقعوا في الفخ عندما ارتفع الين الياباني بأكثر من 11% مقابل الدولار الأمريكي من أدنى مستوى له منذ 38 عاماً، الذي سجل قبل شهر فقط

نقطة تحول

ومن جانبة أكد جنيد اكمان الخبير الأقتصادى التركي ” لمجلة استثمارات الإماراتية” أنه  لا توجد أزمة مالية عالمية من هذا القبيل حتى الآن. نحن نشهد عواقب لعنة التوقعات العالية، ولقد استثمرنا كثيراً في سيناريو الهبوط السلس، لذا فإن أي شيء يشير إلى شيء مختلف يصعب قبوله”.

قد يكون هناك تدفق لرؤوس الأموال من الأسواق النامية (الناشئة) بسبب الارتفاع النسبي لأسعار الفائدة الأمريكية والاضطرابات السياسية الخطيرة

واشار اكمان أن إن الأسواق العالمية في نقطة تحول مهمة للغاية، مضيفاً “ما يهم حقاً الآن هو ما إذا كان مديروا الأموال والمتداولون يرون أن المشاعر أصبحت متشائمة للغاية، أو إذا كانت هذه الإستراتيجية الاحترازية وتقليل الأخطار سيؤديان إلى تقلبات أعلى وسقوط أكبر في الأسواق”. بعض المشكلات حدثت  في سوقنا خاصةً فيما يتعلق بشركات التكنولوجيا التي كانت بالفعل مرتفعة السعر/العائد (أي باهظة الثمن)

في هذه الأيام، خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة الأساسي بمقدار 50 نقطة أساس، بسبب الخوف من الركود، لذلك قد تحصل الأسواق العالمية على بعض الهواء النقي

التحوط من المستقبل

 

تثير الاضطرابات في الأسواق المالية العالمية تساؤلات حول مستقبل هذه الأسواق، حيث تثار مخاوف من تعرض الاقتصاد العالمي لأزمة اقتصادية تنهار على إثرها هذه الأسواق جراء حدوث ركود تضخمي في الاقتصاد الأمريكي. وإن كان البعض يطرح سيناريو آخر يفترض أن أسواق المال الأمريكية لديها من المرونة الكافية لمواجهة الأزمات والحفاظ على استقرار أسواق المال العالمية، ويدعم ذلك أن مؤشرات الاقتصاد الأمريكي لا تزال قوية، فقد نما الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي خلال السبعة فصول الماضية، بدعم قوة إنفاق المستهلكين، وقد رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في 2024 إلى 3.2%.

ولكن في خضم هذه المخاوف يرجح أن تتجه الاستثمارات إلى الأصول الأقل مخاطر والأكثر أمنا ومن بينها الاستثمار في الذهب؛ إذ يتجه المستثمرون للتحوط من مخاطر الركود المحتمل الذي يلوح في الأفق، بالاستثمار في الأصول الآمنة مثل الذهب، حيث يمكن للمستثمرين زيادة النسبة بمحافظهم لمستوى 7.5 إلى 10%، وبالتزامن مع ذلك شهدت أسعار الذهب ارتفاعاً قوياً خلال الأيام الماضية، بلغ ذروته فوق 2430 دولاراً للأوقية.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد