تزايد واتيرة الصراع في الشرق الأوسط وتأثيره علي الاقتصاد العالمي والإقليمي

أجرته/ رباب سعيد

مراسلة مجلة استثمارات الإماراتية شؤون مصر وشمال إفريقيا

 

لم يتعافى الاقتصاد العالمي من الأزمات المتتالية التي عصفت به خلال السنوات الأخيرة حتى تلقى ضربة قاسية جديدة،  من الآثار السلبية للجائحة التي استمرت لنحو عامين ثم الحرب الروسية الأوكرانية التي أشعلت فتيل الأزمات الاقتصادية حول العالم حتى وجد نفسه في مواجهة تهديد جيوسياسي أشعل المنطقة حتي وصل الحال إلي الشعور بحربا إقليمية تطرق أبواب منطقة الشرق الأوسط والتي  ستؤدي لنتائج كارثية، إذا لم تتدخل الولايات المتحدة لوقف التصعيد”، هكذا يتحدث عدد من الخبراء السياسين والمحللين الاقتصاديين عن التطورات التي تشهدها المنطقة في حالة تزايد الصراع وتأثيره علي الاقتصاد العالمي والإقليمي

وحذر خبراء ومحللين  من “سحابة جديدة على الأفق على الاقتصاد العالمي”، و بأنه “أخطر وقت يشهده العالم منذ عقود”، فقد أعرب المسؤولون عن ارتياحهم لأن البنوك المركزية تمكنت من كبح التضخم دون إثارة ركود صريح – متجنبين الخطر الذي أشار إليه صندوق النقد الدولي في أبريل عندما تحدث عن “هبوط حاد” محتمل للاقتصاد العالمي

السياسة النقدية

وفي هذا الصدد أكد الخبير المصرفي “محمد عبد العال” عضو مجلس ادارة البنك المصري الخليجي “لمجلة استثمارات الإماراتية”

أن البنوك المركزية قد شددت السياسة النقدية، وقلصت نمو الائتمان، وهدأت سوق العمل “دون المبالغة في ذلك ، و أصبح المزاج أكثر قتامة مع اختلاط العواقب الأوسع نطاقا للحرب بين إسرائيل وحماس بقلق كامل بشأن نقاط الضعف المستمرة في الاقتصاد العالمي، وقد أشار تحليل صندوق النقد الدولي إلى تدهور اتجاهات النمو على المدى الطويل، حيث تكافح الاقتصادات لرفع الإنتاجية، وتتزايد الحواجز أمام التجارة الحرة وسط تفاقم التوترات السياسية، وارتفاع الدين العام في جميع أنحاء العالم

ومن اللافت أن توقعات صندوق النقد الدولي على المدى القصير قد أعدت قبل اندلاع العنف في الشرق الأوسط  عدم وجود نقاط مضيئة واضحة تتجاوز حفنة من البلدان مثل الولايات المتحدة أو الهند

واشار “عبدالعال ” أن الخطر الاقتصادي الرئيس في أعقاب أحداث 7 أكتوبر هو تصعيد القتال في إسرائيل وغزة إلى صراع إقليمي أوسع، وهذا لا يمكن أن يضر بالثقة فحسب، بل قد يضيف  حزمة  تضخم جديدة إلى الاقتصادات التي بدأت للتو في التعافي من سلسلة من صدمات الأسعار، وارتفاع أسعار النفط بنسبة 10%

 وارتفاع حاد في مستويات التضخم العالمي بنحو 0.4 نقطة مئوية، و إن العالم يواجه “عددا كبيرا من الصدمات” بما في ذلك الصراع في الشرق الأوسط وتداعياته المحتملة على أسعار الطاقة

توقعات التضخم

واضاف الخبير المصرفي إن توقعات التضخم،  في عام 2024،  أن تستمر أوروبا في النمو مع استمرار الصراع، ولكن بوتيرة أقل مما كنت أتوقع و متمسك بدعوته للهبوط الناعم،  إنه لا يتوقع أن يكون الصراع “محركا رئيسا محتملا للتوقعات الاقتصادية العالمية لأن الصراع جاء في وقت كان فيه الاقتصاد العالمي في حالة هشة. واوضح  الخبير المصرفي أن  الاقتصاد العالمي  ينمو  بمستوى ضعيف نسبيا على المدى المتوسط، إذ سيصل إلى 3.1 % فقط في العام 2028، ويقارن ذلك مع توقعات 5 سنوات للنمو بنسبة 3.6 % قبل الوباء مباشرة، و4.9 % قبل بداية الأزمة المالية، ويواجه أكثر من 80 % من الاقتصادات الآن آفاقا أسوأ مما كانت عليه قبل 15 عاما، لأسباب تتراوح بين تباطؤ الإنتاجية وتباطؤ النمو السكاني،وتفتت الاقتصاد العالمي إلى كتل متنافسة – وهي عملية يصعب عكسها وتزداد احتمالا بسبب التوترات الجيوسياسية   أن الحواجز التجارية المتزايدة وحدها يمكن أن تخفض الناتج الاقتصادي العالمي بنسبة تصل إلى 7 % على المدى الطويل

المخاطر المالية

وتابع ان نسبة الدين العام العالمي ترتفع  نحو 100 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العقد،  أن التوترات الأخيرة في أكبر سوق مالي في العالم – سندات الخزانة الأميركية – كانت تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض العالمية، في الوقت الذي كانت فيه البنوك المركزية تقلص ميزانياتها العمومية، وكان إصدار الديون الحكومية في ارتفاع

ولفت الي  إن ارتفاع معدلات التضخم ستنعكس بآثارها السلبية على القطاعات الأكثر فقرًا بالمنطقة، مما يؤدي إلى تفاقم أوجه عدم المساواة الحالية، وارتفاع عدد الفقراء. كما يسهم في زيادة أسعار الفائدة مما يقوض من سياسات التعافي الحالية، ويؤدي إلى ارتفاع مستويات الدين العام، مما ينذر بمخاطر وتحديات عديدة أهمها صعوبة الحفاظ على الاستدامة المالية والاستقرار المالي أو الاستثمار في المستقبل. وكلها أمور تدفعنا للعمل على تدارك الآثار السلبية لها عبر آليات محددة. و إن صانعي السياسات على مستوى العالم بحاجة إلى تقدير سياساتهم المالية والنقدية بعناية لضمان أن إنهاء برامج الدعم المالي وارتفاع أسعار الفائدة لن يقوضا الانتعاش الاقتصادي

العقوبات والنمو

وفي هذا السياق أكد الخبير الاقتصادى الدكتور “محمد البهواشي” بكلية السياسة والاقتصاد جامعة السويس لمجلة الاستثمارات الاماراتية   إلى ضرورة النظر في التأثيرات الاقتصادية غير المباشرة في حال تصاعد الصراع الإقليمي. سيكون هناك دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشعر بتأثير هذا التصعيد أكثر من

غيرها. فمثلًا، مصر التي تواجه بالفعل تحديات اقتصادية متعددة ستعاني من تداعيات إضافية في مجالات مثل السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر، والتجارة. بينما هناك دول أخرى مثل السعودية التي تسعى لتعزيز أجندات تنموية طموحة، وهذه الاستراتيجية تعتمد بشكل كبير على تدفق مستمر للمستثمرين الأجانب والمقيمين، لكن الأوضاع المتوترة في المنطقة قد تجعل تحقيق ذلك أكثر صعوبة.”

وأشار البهواشي  إلي  بعض الاقتصادات مثل الاقتصاد الإسرائيلي  من الصعب أن ينمو في ظل هذا الوضع. لا سيما وسط توقعات بتخفيض التصنيف الائتماني للبلاد، مما سيصعب على إسرائيل الاقتراض، وهو ما كانت في حاجة إليه وستحتاج إليه بالتأكيد في المستقبل. إنها معضلة قد تواجهها دول أخرى في المنطقة كمصر مع زيادة خدمة الدين”.

 و أضاف  الدكتور محمدأن  من المتوقع أن تشهد البلدان ذات الاقتصاد الهش تراجعًا إضافيًا، خصوصًا تلك التي تواجه أزمات في قطاعات حيوية مثل القطاع المصرفي في لبنان، أو الدول التي تتعرض دائم لعقوبات دولية كإيران وبعض الجهات الفاعلة في اليمن وسوريا والعراق، مما سيزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعاني منها هذه الدول وشعوبها

وأوضح الخبير الاقتصادي بجامعة السويس أن أسعار النفط قفزت  أكثر من دولارين للبرميل بعد ساعات فقط من مقتل زعيم المكتب السياسي لحركة حماس. ويراقب المستثمرون عن كثب فرص توسع الأعمال العدائية المتصاعدة بين إسرائيل وإيران التي يمكن أن تهدد إمدادات النفط العالمية ومن ثم ارتفاع أسعار الطاقة إذ أن أكثر من نصف احتياطيات النفط الخام موجودة في المنطقة، وفقا للتقديرات الحالية لمنظمة البلدان المصدرة للبترول.

وتابع  أن رغم تقلب أسواق الطاقة وفقًا للتطورات الإقليمية، إلا أن الأسواق لم تشهد سوى تحركات محدودة نسبيًا على مدى الأشهر العديدة الماضية، وأرجع ذلك إلى “أن السوق قد أخذ في الاعتبار إلى حد ما أنه عدم الاستقرار سيطول.”

ولفت أن سيناريو اندلاع حرب شاملة بمشاركة أطراف إقليمية قد يتضمن هجمات على منشآت الطاقة، سواء المرتبطة بالبنية التحتية الحيوية للنفط والغاز، مما سيؤدي إلى تعطيل الإمدادات. وفي هذه الحالة، قد نشهد تقلبات خطيرة في أسعار الطاقة، وسيكون لذلك تأثير عالمي وليس إقليميًا فقط.

توقف الموانئ والمطارات

ومن جانبه  حذر الدكتور “محمد سالم مشعل” استاذ الاقتصاد وعميد المعهد العالي للعلوم التجارية في حديثة  لمجلة استثمارات الاماراتية  من أنه في حالة توقفت الموانئ والمطارات، قد تتوقف بعض الدول عن تلقي الإمدادات الأساسية، مما يؤدي لنقص حاد في الغذاء والدواء والمحروقات.

وأشار مشعل إلي  قطاع الشحن إن هذا القطاع تعامل بالفعل مع قدر مهول من التحديات منذ تفشي كوفيد-19 وفي الفترة الأخيرة من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.

وأضاف أستاذ الاقصاد  أن توسع نطاق الصراع في جميع أنحاء المنطقة من شأنه أن “يؤدي إلى زيادة تكاليف الشحن والتأمين مما سيؤدي بعد ذلك إلى ارتفاع الأسعار  للمستهلكين في المنطقة والعالم”

 وأوضح أن تأثير الاضطرابات في البحر الأحمر على حركة الشحن عالميا بشكل عام، وعلى عوائد مصر من قناة السويس وأعرب عن تخوفه من “تحول هذا الأثر إلى أزمة على المدى الطويل والمتوسط”.

.

السفر والسياحة

 اندلعت الحرب في غزة في وقت كانت فيه السياحة في الشرق الأوسط في أوجها في أعقاب الإغلاقات التي تسبب بها وباء كورونا، وكان عدد الزوار الوافدين إلى الشرق الأوسط أعلى بنسبة 20% من نفس الفترة من عام 2019، مما يجعلها المنطقة الوحيدة في العالم التي تجاوزت مستويات ما قبل الوباء، وفقًا لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة في هذا الشق أكد الدكتورمحمد سالم مشعل استاذ الاقتصاد وعميد المعهد العالي للعلوم التجارية لمجلة استثمارات الاماراتية

 

أن السياحة تلعب  دورًا مهمًا في اقتصادات دول مثل مصر والأردن ولبنان، حيث يساهم هذا القطاع بما يتراوح بين 12 و26% من إجمالي الإيرادات من الخارج لهذه الدول الثلاث، وفقا لتقرير حديث صادر عن مؤسسة “أس آند بي” للتصنيف الائتماني.

ووفقاً للتقرير فإن “هذه البلدان، المجاورة مباشرة لإسرائيل وغزة، أكثر عرضة لتباطؤ السياحة، نظراً للمخاوف بشأن المخاطر الأمنية والاضطرابات الاجتماعية “.

ويشير الدكتور محمد مشعل استاذ الاقتصاد إنه من اللافت للنظر أن صندوق النقد الدولي خفض توقعات مستوى النمو العالمي إلى 2.6% مقارنة بالتوقعات السابقة 3.3% وهذا دليل على تأثير الحرب في أوكرانيا وغزة على المشهد الاقتصادي بشكل عام.

وأضاف الدكتور مشعل أن الشرق الأوسط والعديد من دول مجلس التعاون الخليجي تستضيف أعدادا كبيرة من المغتربين الذين يشكلون أهمية حيوية لاقتصاداتها واقتصادات بلدانهم. فعلى سبيل المثال، في دولة الإمارات العربية المتحدة، يشكل المغتربون حوالي 88٪ من السكان، وكذلك في قطر والسعودية مضيفا أن أي تراجع في استقرار هذه البلاد سينعكس مباشرة على حياة المغتربين وخططهم المستقبلية، وسيؤثر بالتالي حتما على الاقتصاد

 وأوضح استاذ الاقتصاد إن “الخاسر الأكبر في هذه الصراعات هي الدول التي تقف على خط المواجهة، حيث لا يمكننا تجاهل الضحايا من السكان الذين يعانون بشدة من تبعات هذه الحروب، سواء كانوا ضحايا مباشرين للصراع أو يواجهون تفاقمًا في الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، والنزوح”. ويشير إلى أنه من المؤسف أننا سنشهد استمرار أسوأ التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية في جميع أنحاء المنطقة.

وتابع إن “هناك بُعًدا إنسانيًا لا يمكن فصله عن الحديث عن المؤشرات الاقتصادية. هذه الصراعات في المنطقة ستؤدي إلى خسائر إنسانية جسيمة، وستؤثر الأزمات الاقتصادية بشكل مباشر على حياة المواطن العادي، سواء عبر التورط المباشر لدولهم كما هو الحال في لبنان أو اليمن، أو من خلال التأثير غير المباشر على الاقتصادات التي تعاني بالفعل”.

 وقف إطلاق النار وفتح طريق المفاوضات

  أكد  الدكتور “عقل صلاح “أستاذ النظم السياسية المقارنة والباحث في الشأن الفلسطيني لمجلة استثمارات الاماراتية انه لا يمكن التنبؤ بوقف إطلاق النار في الوقت الحالي  فقد بدأت  تتزايد المخاوف من توسع رقعة الصراع بين غزة وإسرائيل ليشمل أطرفاً إقليمية أخرى.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد