العالم الافتراضي وصدمة المستقبل

بقلم /  رامز صلاح الشيشي .. كاتب وباحث سياسي مصري رامز صلاح الشيشي كاتب وباحث سياسي مصري

مع انتشار العديد من الأزمات والأحداث ذات الطبيعة المرنة والديناميكية التي تُمثل تحديات ليست بالهينة لسكان كوكب الأرض كالأزمة المالية العالمية أو اندلاع الجائحة الفيروسية في معظم دول العالَم أو حتى قضايا التغير المناخي وما يصاحبها من تداعيات يُحسب لها ألف حساب. أقول إنه مع هذا الانتشار، نجد تركًا للعالم الواقعي “المادي” ولجوءاً إلى تعزيز عالَمًا موازيًا افتراضيًا ذات طابع خيالي نوعًا ما مُكمل للواقع المادي الذي نُعايشه والذي ندركه بحُكم مسايرة ومسيرة الإنسان له وفيه منذ قديم الأزل. فكل ما هو اجتماعي تاريخي، وكل ما هو تاريخي واقعي أو بالضرورة ليس مثاليًا أو خياليًا. صحيح أن العوالم الافتراضية أصبحت من التاريخ، لكنها لا تزال في إطار التبلور والتشكل الذي وإن حدث سنكون بصدد صدمة المستقبل أو في حالة من اللايقين. وفي هذا السياق، في حين أخذ المليارديران ريتشارد برانسون وجيف بيزوس مركبتيهما الفضائيتين في جولة في الفضاء الخارجي، ركز ملياردير آخر على التحدي المُتمثل في التنافس في عالَم مختلف تماماً. الطموح الدافع للتوسع والاستكشاف مدفوع برغبة أساسية في الهروب من أصولنا والوصول إلى الحدود الماورائية. بالنسبة لمارك زوكربيرغ أن الحدود التالية هي الميتافيرس. فالمصطلح يُشير إلى التقارب بين الواقع المادي المعزز، والافتراضي في مساحة مشتركة على الانترنت، حيث قال زوكربيرغ أنه يعتقد أنَّ ميتافيرس يمكن أن تساعد في تجارب اجتماعية أفضل، وذلك بالتوازي مع الطفرة الهائلة في الوقت الراهن في المدن الذكية التي ظهرت ملامحها مؤخرًا أو على وشك الظهور مثل مدينة مصدر الإماراتية، ونيوم السعودية.

ونتيجة لذلك، ووفقًا لألفين توفلر، فإن التغيير هو الواقع الأساسي للحياة، ويؤثر على جميع جوانب الحياة ويؤثر على حياة الأفراد والجماعات والمؤسسات. ويجري السعي إلى مفردات هذا التغيير بمعدل غير مسبوق في تاريخ البشرية، والذي وصفه توفلر بأنه “الوصول المُبكر إلى المستقبل”. إن العالم القديم، الذي اعتاد عليه الكثيرون منا يتداعى ويتغير. يتسم هذا التغيُر بطابعه “الديناميكي اللاخطي”. وعلى عكس التطور الخطي، الذي يتبع مسارًا واحداً ويتقدم بمعدل ثابت ويمكن التنبؤ به، يتحرك التطور الحالي في مسارات متعددة بسرعات متفاوتة وفي اتجاهات يمكن التنبؤ بها. ويزعم أن هذه التغيرات العميقة والسريعة وغير الخطية تمثل “صدمة المستقبل” للأفراد والمجتمعات والدول التي لم تكن مستعدة لاستقباله، وأن المستقبل فاجأهم. وتؤدي هذه التغييرات إلى ما أشار إليه توفلر بأنه “الحِمل النفسي المفرط للأفراد”، مما يؤدي إلى مشكلة “التكيف” بينهم وبين العالم من حولهم. وأشار إلى العواقب النفسية والاجتماعية السلبية لعدم التكيف، مثل ارتفاع معدلات الجريمة والانحرافات الاجتماعية، وانهيار القيم الأسرية والتضامن الأسري، والعزلة الاجتماعية. وحث توفلر المجتمعات المحلية والدول على تعزيز قدرة مؤسساتها وأفرادها على “التكيف”، لأن الوضع الجديد يثير أسئلة وتحديات جديدة لم يكن بوسع الكثيرين التنبؤ بها. ولذلك، سنضطر فجأة إلى التكيف مع “الوضع الطبيعي الجديد” كما كنا نفعل مع العمل من المنزل. فلقد ظهر مصطلح “الوضع الطبيعي الجديد” لأول مرة خلال الأزمة المالية؛ للإشارة إلى التحولات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الهائلة التي تسببت في عدم الاستقرار والاضطرابات الاجتماعية، مما أثر على التصورات الجماعية وأنماط الحياة الفردية. وقد استخدم هذا المصطلح مرة أخرى خلال الجائحة، ويُمكن توظيفه في فهم ماورائيات التواصل الافتراضي أو العالم الجديد المدفوع بالتشيؤ والتقنية؛ للإشارة إلى كيفية تحويل الجوانب الأساسية للحياة البشرية. يجادل المنظرون الثقافيون بأن هناك تفاعلًا بين الثقافة والمشاعر الشخصية (العجز) واستهلاك المعلومات (نظريات المؤامرة) في أوقات الأزمات. ومع ذلك، فإن الأمر متروك لنا للتكيف مع اختراعات العصر الجديدة للعالم الجديد أو إصلاح العالم الذي نعرفه، وما إذا كنا نستجيب بشكل إيجابي أو سلبي يمكن أن يؤثر بشكل كبير على حياتنا الشخصية وعلاقتنا الاجتماعية. والواقع أن هناك العديد من الدروس التي يمكن أن نتعلمها من هذه الأزمة التي يمكن استخدامها في بناء مجتمع أفضل. وفي البيولوجيا، يوجد هنالك اعتراف واضح في الوقت الحالي بأن الكائنات عمومًا تنهمك في بناء عمران لها متموضع في المكان والزمان، أي تُنشئ أبعادًا للبيئة التي يجب أن تتكيف لها، والإنسان ذهب إلى أبعد من ذلك في عمرانه، حيث أنشأ عالمًا سوسيوثقافيًا يجب أن يتكيف له. ولكن الأهم في نظر العديد من الباحثين أنه خلق عالمًا سوسيوثقافيًا يستطيع أن يعرقل العوالم الأخرى البيولوجية والطبيعية، وأن هنالك تغذية متبادلة بين البُعدين.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد