المهندسة المعمارية ريما المهيري: صنعت مصباحاً من قشور السمك يضيء على ذاكرتنا المحلية
إقبال المهندسين المعماريين والمصممين الشباب على قراءة الموروث المحلي، بمختلف أبعاده وتصنيفاته الجغرافية المتعددة، إنما يوحي بأثر البحوث العلمية والمراجعات الفنية، في إعادة اكتشافها لاستخدامات عناصر البيئة الطبيعية، ما ينبئ بحالة من الإبداع الاستثنائي في تعزيز العلاقة بين الإنسان والأرض، والتي بدورها تلهم جّل المشروعات الوطنية لدعم مفهوم الاستدامة في دولة الإمارات، الهادفة إلى تحقيق المشاركة المجتمعية ودورها في بناء أسلوب حياة ينسجم مع القيم الصحية والفكرية والإنسانية. ومن هنا انطلقت المهندسة المعمارية ريما المهيري، عبر مشروعها «تِبراة»، المتمثل في مصباح أرضي، باعتباره عنصراً جمالياً للأثاث المنزلي، والمصنوع من قشور السمك، في رحلة بحثية فنية بالتعاون مع مركز «تشكيل» في دبي، طارحةً أسئلة متنوعة حول مخزون التراث البحري، وآلية التفكير فيه بأبعاد ابتكارية، لم يتم التطرق إليها من قبل، قائلة في حوارها لـ«الاتحاد»: قد نقف عند أفكار نمطية تدعي ندرة وفقر البيئة المحلية بالموارد الطبيعية، وهو في اعتقادي أمر فيه مغالطات كثيرة، ناتجة عن قلة معرفة ودراية بالحياة البحرية في الإمارات، فكلما اتجهت للبحث عن مواد لدعم مشروعي الفني كنت أكتشف سياقات متعددة، وتكاد تكون مُدهشة، فأنت في الموروث لا تبحث فقط عن المواد، بل أيضاً عن المعنى من خلال الأهازيج والقصائد والأغاني، ولذلك فإن أيّ عمل إبداعي، قائم على الموروث والذاكرة الجماعية، يشكّل في الأصل رابطاً مستداماً لحياة الناس بين الماضي والحاضر والمستقبل، إنها بمثابة صورة شاملة وحالة وعي لإدراك الإنسان لماهية المكان وأثر ذلك كله عليه، عبر مختلف الأزمنة والحقب التاريخية.
عادة ما يتحرك الإنسان بتأملاته وفق بيئته المحيطة، والفنان عادةً يبدأ من نفسه، وحول ذلك تقول ريما المهيري: كان جدي يمتهن صيد السمك، مسافراً لأشهر بين البحرين والسعودية، بحثاً عن الرزق، وبالنسبة لي فالاقتراب من هذا المشهد، وتحويله إلى تجسيد بصري إبداعي، يعد أمراً طبيعياً، كوني جزءاً من تتابع نسج الذاكرة وامتدادها. ولعل الحوار الذي جمعني مع الصيادين في سوق السمك في عجمان، وترحيبهم الكبير عندما طلبت منهم الحصول على قشور السمك، لإجراء بحث علمي وفني عليها، كونهم يعرفون جدي، إنما يمثل في كثير من الأحيان، قدرية وصول الفنان للأمكنة وارتباطه بأُناسها كعنصر تفاعلي عميق من التجربة ككل. وتابعت ريما المهيري: بالعودة إلى مشروع «تِبراة»، المبني على فكرة قشور السمك، فإننا نلاحظ أنه عندما يتم تنظيف السمك، يُزال منه الجلد والعظم وأحياناً الرأس، لأنها لا تُأكل، وتوصلت من خلال البحث، كيف أن العديد من الفنانين في مختلف الثقافات يستخدمونها في أعمالهم، ومنهم من يستخدمها في الملابس وغيرها، كونها موجودة بكميات كبيرة وقابلة للتدوير ومستدامة، وبصراحة وصلتني من الصيادين كميات مهولة من قشور السمك، تصل ما بين 6 إلى 10 كيلوجرامات يومياً، إلا أن طلبت منهم أن يتوقفوا عن إحضارها، واكتفيت باستخدام المجموعة الموجودة، لإجراء التجارب والتصميم.
التحديات والحلول
من التحديات التي واجهتها المهندسة المعمارية ريما المهيري، أن قشور السمك مادة قابلة لتحلل، ما جعلها تبحث حول إبداع لاصق (صمغ)، استخرجته من الطحالب، يساهم في جعل القشور متماسكة وصلبة وتتحمل درجات الحرارة العالية، كون المشروع عبارة عن مصباح، بالمقابل أوضحت ريما المهيري أنه بمجرد تعرض القشور للماء أو إعادتها للتربة، فإنها تتحل مباشرة، وفي اعتقادها هذه نقطة رئيسية تدعم الهدف الأساسي، وهو الحفاظ على البيئة الطبيعية في حالة إعادة استخدام المصباح لأغراض أخرى، والجديد بالذكر أن قشور السمك تستخدم لتسميد التربة، وبذلك فإن عودتها للأرض يحفظها ويغذيها، ولفتت ريما المهيري أننا عادةً عندما نشتري السمك، لا نفكر كثيراً بمن اصطادها وأتى بها، وقام بتنظيفها وإيصالها إلينا، وإدراك ذلك تعتبره بالضرورة أمراً مهماً، إذا ما أردنا استعادة الذاكرة وتحقيق الاتصال بين موروثنا الذي يشكلنا وبين حياتنا اليومية الراهنة، ومنه فإن صناعة مصباح من قشور السمك، هي فلسفة جمالية لسيرورة المهنة من الأجداد إلى الأحفاد من جهة، وإعطاء قيمة لعناصر البيئة البحرية، فالقشور هنا، أصبحت بمكانة اللؤلؤ في ذاكرة الخليج، كونها تحولت إلى ضوء ينير الحياة الاجتماعية في المجالس وغرف المعيشة، والأماكن الجامعة للعائلة والأصدقاء والناس بشكل عام.
التعليقات مغلقة.