الأرشيف والمكتبة الوطنية ينظم مؤتمراً دولياً للتاريخ الشفاهي
نظم الأرشيف والمكتبة الوطنية مؤتمر الإمارات الدولي للتاريخ الشفاهي تحت شعار «ذاكرتهم تاريخنا: التاريخ الشفاهي توثيق واستدامة عناصر الهوية والموروث»، شارك فيه نخبة من المتخصصين والخبراء والباحثين وذوي التجارب المميزة في شؤون التاريخ الشفاهي، والرواة من كبار المواطنين الذين أثروا بذكرياتهم المجلد الثالث من سلسلة (ذاكرتهم تاريخنا)، التي جرى الاحتفال بإصدارها ضمن فعاليات المؤتمر.
وأكد عبد الله ماجد آل علي، مدير عام الأرشيف والمكتبة الوطنية، في كلمته الافتتاحية، أن أهمية المؤتمر تأتي من كونه يسلط الضوء على أهمية التاريخ الشفاهي كوسيلة مجدية وفعّالة لتسجيل وحفظ الذاكرة والأحداث التي طواها الزمن؛ فالتاريخ الشفاهي مصدر مهم من مصادر تاريخ الأمم والشعوب؛ إذ تظل الوقائع التاريخية محفوظة لدى أولئك الذين عاصروها، فهم القادرون على إعطاء الرواية الحقيقية.
وقال: ما إن فتح الأرشيف والمكتبة الوطنية المجال أمام الرواة من كبار المواطنين لكي يوثق ذاكرتهم في سجلاته؛ حتى أدركوا بحسّهم الوطني أن ذلك واجباً وطنياً، فرحبوا بفرق الأرشيف والمكتبة الوطنية من الخبراء والمختصين، التي سارعت إليهم أينما كانوا في إمارات الدولة ومناطقها. وأشار إلى أن القانون الاتحادي رقم 7 لعام 2008 قد أناط في مادته الرابعة بالأرشيف والمكتبة الوطنية مهمة جمع وتوثيق مادة الأرشيف الشفوي وحفظها وتيسير استخدامها بالطريقة العلمية المناسبة.
ولفت إلى أهمية ما حققه الأرشيف والمكتبة الوطنية بهذا الخصوص إذ جمع أكثر من 900 مقابلة، منها استمد مضمون العديد من إصداراته التي أثرى بها المكتبة العربية.
الرواية الشفوية
ألقت الدكتورة عائشة بالخير، مستشار البحوث ورئيسة فريق التاريخ الشفاهي في الأرشيف والمكتبة الوطنية، كلمة المشاركين بالمؤتمر، أكدت فيها أهمية الرواية الشفوية التي تعدّ جسراً يمتد بين الماضي والحاضر، وعليه تعبر العادات والتقاليد والقيم التي كان يتمتع بها الأجداد والآباء، وهي تنتقل إلى الأبناء، وفي الوقت نفسه تفتح أمام الباحثين صفحات الماضي لتثري البحث التاريخي، ولتعزز الانسجام بين الحضارات والثقافات؛ ما يسهم في استدامة الموروث ويحفز الأجيال على تقديم كل ما هو أجمل، ويشجعهم على حفظ «كنوز الإمارات» وذاكرتها الحية.
وأشادت بجهود ضيوف المؤتمر من الرواة والمشاركين، والخبراء والباحثين، وبما أسفرت عنه جهود فريق العمل في التاريخ الشفاهي بالأرشيف والمكتبة الوطنية، وبالدعم الذي يلاقونه من الإدارة العليا.
ذاكرتهم تاريخنا
احتفل المشاركون وضيوف المؤتمر بإطلاق المجلد الثالث من سلسلة «ذاكرتهم تاريخنا» التي يصدرها الأرشيف والمكتبة الوطنية – بحضور عدد كبير من الرواة المشاركين في موضوعاته. وتفاعل الحضور مع ما جاء في المؤتمر، ومع مداخلات كل من: محمد سيف النايلي الشامسي، وصديق الخاجة، ومحمد بن سالم بن كبينة الراشدي، الذين تحدثوا عن أهمية حفظ الموروث، وضرورة استدامته للأجيال المتعاقبة، ودور القيم الإماراتية في نشر التسامح والسلام.
عقدت الجلسة الأولى من المؤتمر، التي أدارتها الدكتورة عائشة بالخير، بعنوان: «التاريخ الشفاهي وذاكرة المستقبل»، وتحدث فيها الدكتور محمد حسن عبد الحافظ، أستاذ الأدب الشعبي المساعد بالمعهد العالي للفنون الشعبية، عن أهمية التاريخ الشفاهي في صون وحماية الهوية من الانشطار والضياع، وأشاد بما يقدمه الأرشيف والمكتبة الوطنية في إطار مشروع التاريخ الشفاهي الذي تهتم به دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن خلاله تركز في التراث الشعبي والموروث، وهو ما لم يضعه العالم ضمن أولويات التاريخ الشفاهي.
ثم تحدث جمعة بن ثالث الحميري، مدير المشاريع التراثية في جمعية الإمارات للغوص، عن تجربته في جمع التاريخ الشفاهي؛ فنوه إلى أهمية أن يكون الباحث في ميدان التاريخ الشفاهي قادراً على التفاعل مع كبار السن من الرواة، وأن يستطيع تشجيعهم على الحديث في المسار الذي يريده من قبيل أنه بحاجة لمعرفة ما لديهم من معارف وذكريات، وتطرق إلى الطرائف التي حدثت معه في المقابلات الميدانية التي أجراها ووثقها في كتبه.
واختتمت الجلسة الأولى بحديث البروفيسور صالح الدوسي الزهراني، أستاذ الدراسات العليا في قسم إدارة وأصول التربية في جامعة جدة، عن أدوات جمع البيانات والبرمجيات الجديدة التي يمكن الاستفادة منها في حفظ التاريخ الشفاهي، وأهمية إدخال التاريخ الشفاهي في نطاق العلم، وتطبيق طرق البحث العلمي عليه، وقدم شرحاً مفصلاً عملياً عن تطوير منهجيات البحث العلمي لكي يحتوي التاريخ الشفاهي، والنظريات العلمية التي اهتمت بهذا الحقل المعرفي.
أثر التاريخ الشفاهي
عقدت الجلسة الثانية من مؤتمر «التاريخ الشفاهي توثيق واستدامة عناصر الهوية والموروث»، التي أدارتها ميثاء الزعابي رئيس قسم الأرشيف الشفاهي في الأرشيف والمكتبة الوطنية، بعنوان: «التاريخ الشفاهي بين العمل الميداني والمنتج الأكاديمي». بدأ الجلسة الدكتور صالح محمد اللهيبي، من جامعة الشارقة، بتعريف التاريخ الشفاهي المحفوظ في الصدور، ويحتاج إلى الباحثين المتمرسين الذين ينقلونه إلى السطور، وحدد أسساً للتاريخ الشفاهي تضع له إطاراً ليكون مقبولاً من قبل الجميع، وركز اللهيبي في أهمية الألفاظ ومخارج الحروف لدى الراوي، ومهارة الباحث في طرح السؤال، وأشار إلى أن عناصر مقابلة التاريخ الشفاهي أربعة: الباحث، والراوي، الأسئلة، وأداة التسجيل.
وانتقل الحديث إلى الدكتور تيموثي باور، عالم آثار بجامعة الإمارات، الذي تطرق للحديث عن أثر التاريخ الشفاهي في مشروع تطوير الجزيرة الحمراء في رأس الخيمة، وكيف تمت الاستفادة من المقابلات التي أجريت مع بعض الأفراد الذين كانوا يستوطنون الجزيرة، وقد أسفرت عن معلومات موثقة عن الجزيرة في مختلف المجالات.
واختتمت الباحثة المستقلة سها شعبان المؤتمر بسرد تجربتها الثرية جداً، وهي تجمع موسوعة حلب، وذلك بعد الأزمة التي مرت بها سوريا، فكان فريق الموسوعة الذي يتألف من آلاف الأشخاص يقدمون ما لديهم بدافع من حرصهم على حفظ تراث وطنهم؛ مما أثرى موسوعة حلب بالأمثال الشعبية، وبالصور التاريخية، والعادات والتقاليد، والفنون والذكريات بمختلف أنواعها التي تحفظها الذاكرة الحلبية، كما عرفت الموسوعة بالشخصيات المميزة التي تنتمي لمدينة حلب العريقة.
توصيات المؤتمر
أسفر المؤتمر عن التوصيات التالية: قيام المؤسسات المعنية بعمل مسح للمناطق التي تحتاج لجمع التاريخ الشفاهي منها، وتعميم ذلك على الجامعات ومراكز الأبحاث لتكون ميدان عمل للباحثين، وأهمية تدريب نخبة من الباحثين الأكاديميين والميدانيين على أفضل وأحدث أساليب تدوين التاريخ الشفاهي؛ لتوحيد أُطُر العمل في المقابلات والجمع، وعمل قواعد بيانات لما تم حصره والوصول إليه من مناطق وأشخاص تمت مقابلتهم لتوفير الجهود في العمل الميداني.
وشملت التوصيات أيضاً: تبنّي الجهات الحكومية لمشاريع الباحثين غير المنتسبين لجهات معنية، والتعاون بين الجهات والأفراد لمصلحة التاريخ الشفهي، وأهمية وجود جهة إشرافية تشمل جميع إمارات الدولة (معنوياً ومادياً) في مجال التاريخ الشفهي، والاتفاق مع جهات خارج الدولة للاستفادة من تجاربها في توثيق التاريخ الشفاهي، وربط المنهج الدراسي بالتاريخ الشفهي للاستفادة من موضوعاته.
وأشارت التوصيات إلى ضرورة تعيين لجنة من جميع إمارات الدولة المعنية بحفظ التراث وتوثيقه بآخر المستجدات، وإدراج وسائل التواصل الاجتماعي ضمن مصادر جمع التراث غير المادي كوسيلة سهلة وسريعة تصل إلى جمهور كبير، وضبط الجمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي لإحياء التراث واستدامته. واختتم المؤتمر بتكريم جميع المشاركين فيه.
التعليقات مغلقة.