الإمارات وسلطنة عُمان.. علاقات ثقافية راسخة
ظلت العلاقات المتميزة والراسخة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان الشقيقة، تزداد قوة ومتانة طيلة العقود الماضية، وشهدت شراكة البلدين خلالها محطّات حافلة بالتميّز أسهمت في ترسيخ هذه العلاقات، والمضي بها قدماً إلى الأمام، وذلك منذ اللقاء الأول في عام 1968 بين الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، وأخيه الرّاحل السلطان قابوس بن سعيد «رحمه الله». وشكّلت الزّيارة التاريخية الثانية للشيخ زايد، إلى سلطنة عمان في مايو عام 1991، منعطفاً مهماً في مسيرة الشراكة الأخوية والتّعاون بين البلدين، وتمّ على إثرها تشكيل لجنة عليا مشتركة للتعاون في مختلف المجالات، وبخاصة منها المجالات الثقافية والإعلامية والتربوية، وما زالت العلاقات بين البلدين تزداد قوة ورسوخاً سواء على الصعيد الثنائي أو في إطار مجلس التّعاون الخليجي، وهو ما يجسده المستوى الرفيع للزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين، ضمن شراكة تمثل نموذجاً يحتذى به على المستويين الخليجي والعربي، لأن هذه العلاقات تقوم على روابط الأخوة والتّاريخ والعادات والتقاليد المشتركة، وهي في تطور مستمر وتستند إلى دعم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» وأخيه جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، لما فيه المصلحة المشتركة للشعبين الشقيقين.
احتفاء واحتفال
أسس متينة من الجوار الجغرافي والقيم والعادات والتقاليد المشتركة والمصاهرة والعمق الاستراتيجي، تجمع البلدين، لذا تشارك الإمارات الأشقاء في السلطنة احتفالهم باليوم الوطني العُماني الـ51، في تأكيد على مستوى هذه العلاقات الأخوية والشراكة الراسخة. ويتقاسم البلدان موروثاً ثقافياً مشتركاً من فنون وآداب وتراث شكّلت هوية ثقافية متناغمة لشعبيهما، ولجميع شعوب منطقة الخليج العربي، فيما تنعكس العادات والتقاليد المشتركة بين الشعبين على الكثير من المفردات في الشّعر والقصة والنثر والموروث الشفهي والمرويات الشعبية وفنون الغناء التقليدي والأزياء، إلى جانب ما يتصل بأساليب وطرائق الحياة بصفة عامة بما يعزز تمتين ملامح الهوية الجماعية ذات الأبعاد الثقافية والبيئية المشتركة.
وتدلّ احتفالات الإمارات السنوية باليوم الوطني الـ51 للسلطنة، تحت شعار «عُمان منّا ونحن منهم» على تعزيز قوة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وتتم الاستعدادات والبرامج التي تعدها الإمارات لمشاركة الأشقاء العمانيين احتفالهم باليوم الوطني الـ51، ضمن مظاهر احتفالية وشعبية تؤكد اعتزاز الإمارات بالنهضة الحضارية المباركة لسلطنة عمان الشقيقة.
تنسيق ثقافي
والحال أن محطات التّبادل والتّنسيق الثقافي بين البلدين كثيرة ومتنوعة، ففي مجال الموروث الشعبي كان الاتفاق المشترك بينهما بشأن توثيق فنّ «العيّالة» لدى اليونسكو، كنمط مشترك، مثالاً للتعاون في هذا المجال، نابعاً من قوة العلاقات الثقافية والاجتماعية، واشتراك شعبي الإمارات وعُمان في العديد من التقاليد الثقافية الموروثة، ما يجعل التّنسيق في العمل الثقافي أمراً مهماً ومثمراً، كمدخل للتوثيق وإحياء التراث والمحافظة عليه بالتّعاون بين الخبراء والمختصّين في البلدين، هذا إلى جانب توقيع العديد من الاتفاقيات الثقافية والتربوية، معززة بتبادل الزيارات في مختلف المجالات الثقافية والفنية بغرض الاستفادة من الخبرات، وتطوير مجالات التّعاون، ومن ذلك مشاركة وزارة الثقافة الإماراتية، في احتفالات سلطنة عُمان عاصمة للثقافة العربية لعام 2006، بتنظيم الأسبوع الثقافي للإمارات في مسقط، وتضمن إقامة أربعة معارض متخصصة في متحف بيت الزّبير، في إبداعات الخط العربي والعملات الإسلامية في منطقة الخليج والفنون التشكيلية والإصدارات من التراث وتاريخ المنطقة، إلى جانب أمسيات شعرية ومحاضرات وندوات حول المشهد الثقافي بدولة الإمارات والعلاقات الثقافية بين البلدين الشقيقين، بما يعزز الحوار الثقافي بين الكتّاب والمبدعين في البلدين. ثم الحضور القوي للسلطنة في النّسخة الـ40 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، بجناح مميز من عناوين الكتب ودور نشر متخصصة، واستضافة للمؤلف المسرحي العماني هلال بن سيف البادي، في حوار تجارب ثقافي نوعي.
كانت مشاركة «جمعية الناشرين الإماراتيين» بـ 16 دار نشر، في النسخة الـ 25 من معرض مسقط الدولي للكتاب، عبر مشروع «منصة» الذي أطلقته جمعية الناشرين الإماراتيين في يناير 2019. ويعدّ جناح السّلطنة في مهرجان الشيخ زايد التراثي بمنطقة الوثبة، منذ انطلاقته وحتى نسخته الأخيرة، من الأجنحة النّوعية، بما يعكسه من حضور واسع وتنوّع لافت في معروضاته التراثية والثقافية وفي الفنون الشعبية، وبخاصة تقديم فن «البرعة». كما تم تنظيم ورشة الكتابة الابداعية للجائزة العالمية للرواية العربية (النّدوة)، في سلطنة عمان (نوفمبر 2017) بإشراف الروائية والنّاقدة العمانية جوخة الحارثي، والروائي السعودي الفائز بالجائزة محمد حسن حلوان، وأيضاً مشاركة الناقدة الحارثي في الأمسية الثقافية إلى نظمها صالون «بحر الثقافة» بأبوظبي، في أغسطس 2020، لمناقشة روايتها «سيدات القمر» الفائزة بجائزة «مان بوكر».
وفي مجال المسرح تحرص وزارة التراث والثقافة العُمانية على المشاركة في معظم الاحتفاليات ومهرجانات المسرح التي تنظمها مؤسسات ثقافية إماراتية، مثل مشاركتها ممثلة في مهرجان المسرح الخليجي للفرق المسرحية الأهلية في إمارة الشارقة، بمسرحية بعنوان «بازار»، وذلك منذ العام 2014، وحتى النّسخ اللاحقة من الحدث، وقبل ذلك مشاركة المسرحية العمانية «حمران العيون» لفرقة صلالة الأهلية للفنون المسرحية في المهرجان المسرحي الثامن للفرق الأهلية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في أبوظبي. هذا إلى جانب تبادلات ثقافية متنوعة في شتّى المجالات، منها مشاركة «الأوبرا السلطانية – مسقط» في معرض سوق السفر العربي 2018، في دبي، وذلك تأكيداً لحضورها الدولي على الساحة الفنية العالمية، وتعزيزاً لأهمية السياحة الثقافية، وهناك الكثير غير هذا ضمن الزّخم الكبير من الأنشطة الثقافية المتبادلة.
خطاب عقلاني
العلاقات الثقافية الراسخة بين دولة الإمارات وسلطنة عُمان الشقيقة، مثال يحتذى كأفضل وأكمل ما تكون العلاقات المتميزة، على كافة المستويات، بين بلدين جارين شقيقين، تجمعهما الأخوة الوثيقة والاحترام المتبادل والتّوجه المستمر إلى تطوير النهج والعلاقات بما يطمح إليه شعبا البلدين، تحت مظلة خطاب ثقافي عقلاني وسطي، يكرّس ثقافة المودة والمحبة والأخوة والسلام كأسس وقيم لمشروع ثقافي راقٍ ومستنير، يخدم تطلعات شعوب المنطقة في استدامة دعائم جودة الحياة والإبداع الثقافي والاستقرار والنّهوض بأسباب التقدم والازدهار للجميع.
التعليقات مغلقة.