«القمة الثقافية – أبوظبي».. تقرأ آفاق الاقتصاد الإبداعي
مع انطلاق الدورة الرابعة للقمّة الثقافيّة – أبوظبي (8-10 مارس الجاري)، نقف على حلول وآفاق مهمّة بأهميّة عنوان هذه الدورة التي تناقش حال الثقافة ومدى إسهامها في النموّ الاقتصادي، باعتبارها تمرُّ عالميّاً وعربيّاً بأزمات حرجة خلّفتها وتلقي بظلالها عليها الأزمة الكونيّة «كورونا»، خصوصاً بعد أن بدأ العالم يدرك ما يمكن أن تُدرَّه النشاطات الإبداعيّة والتراثيّة الوطنيّة من دخول تتجاوز بالتأكيد اقتصاديّات الكفاف إلى نسب محترمة من الناتج المحلي الإجمالي للدول التي تأخذ بتجارب دول متقدّمة أدركت أهميّة الاستثمار بالثقافة، بما تحمله الثقافة من معنى واسع يحتاج إلى إدارات فاعلة تدرك هذه القيمة في تسويق العمل الثقافي والعناية بحقوله وفروعه وتهيئة التسهيلات والفرص الكفيلة بذلك.
إذا كانت المنصّة الرقميّة قد حملت في خضمّ الجائحة عبء تواصل الباحثين ومناقشاتهم وقراءاتهم لمواضيع ثقافية وإبداعيّة وتداولها عن بُعد افتراضيّاً، فإنّ حدثاً منتظماً ومهمّاً بحجم القمّة الثقافيّة – أبوظبي 2021، سيلاقي بالتأكيد حضوره لدى المهتمين وضيوف هذه القمّة وشركائها، لا سيّما بعد عناوينها الناجحة وحضورها النوعي والكبير في دوراتها الماضية، من خلال نقاش مواضيع مرتبطة بالثقافة، مثل المسؤوليّات الثقافية والتكنولوجيا الجديدة، والتغيّر الاجتماعي الإيجابي بواسطة الفعل الثقافي المعرفي، وقراءة الراهن باتجاهات فنيّة وثقافيّة جديدة تعتمد توسيع الإمكانيات نحو عالم جديد ومتسارع لعالم المعرفة والتقدم، هذا العالم الذي تلعب الثقافة فيه دوراً كبيراً إن نحن أحسنّا ربطها بالأدوات والأساليب الحديثة لتتحوّل من الجانب المحايد الشكلي لدى كثير من الدول إلى اتجاه مواكب تدخل فيه المفردة الإبداعيّة والنشاط الثقافي كقيمة وطنيّة ذات أثر ملموس، خاصةً في تعلقها بالجانب الاقتصادي محور الدورة الرابعة من هذه القمّة ذات الحضور النوعي والاهتمام الإعلامي من واقع الإعلان عنها كقمّة تقوم على تنظيمها دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي بالتعاون مع شركائها المعنيين.
وتستند القمّة الثقافيّة إلى رؤية ثقافيّة طموحة، بحسب رئيس دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي معالي محمد خليفة المبارك، إذ تهدف لخلق أثر إيجابي عالمي عبر منصّة تجمع قادة وخبراء القطاع الثقافي وشخصيّات بارزة مرتبطة بهذا القطاع، بما يشتمل عليه ذلك من فعاليات وحوارات مثمرة تقام لأول مرّة افتراضيّاً، ومتوفرة لجمهور من مختلف أنحاء العالم، على اعتبار أنّ الصناعات الثقافيّة والإبداعيّة لها دور حيوي في دعم التنمية الاقتصاديّة، على منصّة أبوظبي التي تجتمع فيها خبرات وشركاء مرموقون ومشاركون فاعلون.
وتعطينا محاور النسخة الرابعة من القمّة الثقافيّة، التي يُتوخّى منها استراتيجيّات ذات مرونة للتكيّف وبناء بيئات عمل ثقافية وإبداعية تتصف بالاستدامة والانتعاش الاقتصادي، موضوعات ثريّة للنقاش والخروج باستخلاصات وتوصيات يحتاجها قطاع إبداعي ثقافي يتسم بالتنوع، منها ما هو مطروح كسؤال تفرضه الأزمة العالمية «كورونا»، ويتعلق بكيفيّة توفير التمويل اللازم للفعل الثقافي إن نحن أردناه نشاطاً قويّاً وممتداً ذا أثر مادي ومعنوي في الوقت ذاته، تماماً مثل أيّ سلعة اقتصاديّة أو عمل يتأثّر بالأزمات ويعاني هبوطاً أو ازدهاراً بحسب الحالة، وبالطبع فإنّ هذه النقاشات ستسوق معها نِسَباً وإحصائيّات لافتة ومشجعة وترينا حجم التأثير المدروس، كما سنقف على القيمة الاستثماريّة التي يحملها الفنان الوطني في ظلّ محفّز تكنولوجي وعالم رقمي ينهض بالفن والأدب والثقافة عموماً ويفتح لها مجالات أوسع للتسويق والترويج، هذا إضافةً إلى سؤال تحمله هذه الدورة ويتعلق بالحقائق والإمكانيّات الجديدة لما بعد العولمة التي تشكّل المتاحف والبيناليّات الفنيّة العالميّة اليوم، خصوصاً وهي مفردات عالية القيمة وتحصد حضورها عالميّاً وتحظى بجمهور يدرك ما تتضمّنه من مساحات جماليّة ووظيفيّة تؤهّلها لأن تلعب هذا الدور.
العصر الرقمي
أمّا توصيف حال الاقتصاد الثقافي بعد جائحة (كوفيد- 19)، فهو موضوع ما يزال يشغل المهتمين والمبدعين ومروّجي الثقافة في قنواتها الاستثمارية، التي بدأت تأخذ بالازدياد لولا متغيّر مفاجئ يحتاج وقفةً وبحثاً عن نوافذ إبداعية استثماريّة جديدة، ولا شكّ أن العصر الرقمي قادر بامتياز على أن يحمل الثقافة إلى مجالات أرحب، فحتى قبل سؤال «كورونا» الذي شكّل امتحاناً حقيقيّاً للوسائل التقليدية في الترويج والتسويق والاستثمار، فإن التواصل الافتراضي والرقمي كان يتهيّأ لأن يحمل المادة الثقافيّة على أكتاف التواصل الاجتماعي والنوافذ الإلكترونيّة ومجمل اجتراحات ووسائل العالم الافتراضي ليصل إلى أبعد مدى وأكبر جمهور، على أهميّة النوستالجيا- الحنين- للجمهور التقليدي، فالمضي في المشروع الرقمي بات أمراً لا غنى عنه، بل وباتت المؤسسات والأفراد والدول تعتاده ناقلاً فاعلاً في التوّ واللحظة للقيم الثقافية، وسيلمس المتابعون والمهتمون والمشاركون أسئلةً في نقاشات هذه الدورة من القمة الثقافية تتعرّض لمفاهيم اقتصاديّة يدخل فيها العنصر الثقافي، مثل تحقيق التنمية المستدامة وموضوع الصناعات الثقافيّة ذات الوزن الذي لا يمكن تجاهله من واقع ما تمدّنا به إحصائيّات الدول الخبيرة في هذه الصناعات، خصوصاً ما ارتبط منها بالتراث والسياحة، إذا ما علمنا أنّ مشاركةً واضحة لضيوف أجانب خبراء في مجالات ثقافيّة وإعلاميّة سيقدّمون أوراقاً تتجه نحو الجانب الواقعي الاستثماري لمفردات ثقافيّة وفنيّة تأخذ حيّزاً على مادّة المعارض والجاليريهات والمنصّات السياحيّة والتراثيّة على مستوى العالم.
وتتناول القمّة الثقافية مبادرة «السنة الدولية للاقتصاد الإبداعي من أجل التنمية المستدامة» 2021 التابعة لمنظمة «اليونسكو»، بهدف استعراض إمكانات الاقتصاد الإبداعي ودوره في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة ضمن مجالات التعليم والاقتصاد والابتكار والبنية التحتية والمساواة والمدن والمجتمعات المستدامة.
مشاركات ثرية
وعلى صعيد الأوراق المشاركة والنقاشات، فسيكون الحضور ممثلاً لوزارة الثقافة والشباب كمظلّة ثقافيّة وطنيّة بمشاركة كلمة معالي نورة الكعبي وزيرة الثقافة والشباب، وكذلك ستكون هناك مشاركات عالمية، تمثّلها كلمة أودري أزولاي المديرة العامّة لليونسكو، إضافةً إلى مشاركات أشيل مبيمبي، الفيلسوف والمفكر العام المتخصص في العلوم السياسية، وحوار للسير ديفيد شيبرفيلد، المهندس المعماري، والسير أنتوني جورملي، النحّات البريطاني الحائز وسام رتبة الإمبراطورية البريطانية مع تيم مارلو، الرئيس التنفيذي ومدير متحف التصميم الحائز وسام رتبة الإمبراطورية البريطانية، وروجر براون، رئيس كلية بيركلي للموسيقى، وأندرس سزانتو، عالم الاجتماع، وتشارلي بوث، المغني ومؤلف ومنتج الأغاني الأميركي، إضافة إلى انضمام نخبة من الخبراء إلى البرنامج العام للقمّة، من ضمنهم الشيخة حور القاسمي، الرئيس والمدير المؤسس لمؤسسة الشارقة للفنون، بيكي أندرسون، مديرة التحرير ومذيعة «سي إن إن» أبوظبي ومقدمة برنامج «كونيكت ذا وورلد»، ريتشارد أرمسترونج، مدير مؤسسة ومتحف سولومون آر جوجنهايم، وإرنستو أتون راميريز، مساعد المدير العام للثقافة في منظمة اليونسكو وهادلي غامبل، المذيعة والمراسلة الدولية لدى شبكة قنوات «سي إن بي سي»، لوران جافو، رئيس المختبرات لدى مؤسسة «جوجل للفنون والثقافة»، ماريسا هندرسون، رئيسة برنامج الاقتصاد الإبداعي في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد»، لازار إلوندو أسومو، مدير الثقافة والتدخلات السريعة في «اليونسكو»، إس ديفلن، الفنانة والمصممة الحائزة وسام رتبة الإمبراطورية البريطانية، ألكسندرا مونرو، كبير المنسقين ومديرة الشؤون الفنية لدى متحف سولومون آر جوجنهايم، وفياميتا روكو، محررة ومراسلة الشؤون الثقافية، مجلة «ذي إيكونوميست» ومجلة «1843» المملكة المتحدة، دان روزجارد، مؤسس «استديو روزجارد»، وإرثلينج إد، متحدث ومعلّم حول شؤون النباتيين، وسامح وهبة، المدير العالمي للممارسات العالمية الاجتماعية والريفية والحضرية والمرونة.
التعليقات مغلقة.