غياب الوعي سبب سطحية «مواقع التواصل»

غياب الوعي والثقافة لدى بعض المتابعين، يسهم في إبراز العقول السطحية، والتسيُّد على منصات مواقع التواصل الاجتماعي كفقاعة ليس فيها إلا هواء فارغ. فقد تجد الكثير من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا» لديهم آلاف المشاهدات، ولكن بُعد المحتوى لا يتعدى أخمص القدم، طرح خالٍ من الفكر البناء والإضافة الهادفة. وفي الاتجاه الآخر قد تجد بعض المثقفين والأدباء على تلك المواقع لا تتعدى مشاهداتهم عدد أصابع اليد، على رغم أهمية المحتوى والطرح الذي يقدمونه ويساهم في خدمة الثقافة الجادة والفكر الإنساني.
وكما يقول الأديب الإيرلندي صموئيل بيكيت: «إذا كانت العربات الفارغة أكثر ضجيجاً، فمن الضرورة أن يكون قانون ما يحكم هذا الضجيج». فعلينا أن ندرك جيّداً الدور الرئيسي الذي يلعبه الوعي، والثقافة، في توجيه المجتمع، إن أردنا الحصول على أفضل المعايير والنتائج في إبراز الشخصيات الملهمة وإبعاد كل ما هو فارغ، وتعزيز الدور الثقافي، والوعي لدى المتابع في اختيار ما يناسب ذاته وانتقاء كل ما يخدم فكره للارتقاء بالمجتمع وما يؤثر عليه إيجاباً أو سلباً.

الحصن المنيع
ورداً على هذا السؤال الذي يتردد كثيراً في الأذهان: هل للثقافة دور في تعزيز الوعي لدى المتابع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وما مدى أهميتها لأن يكون المجتمع قادراً على اختيار المحتوى البنَّاء الذي يخدم الإنسان وفكره؟ قال عبدالله ماجد آل علي، المدير التنفيذي لقطاع دار الكتب في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي: ليس هناك شك في أن الثقافة تزيد وعي الإنسان عامة وتمنحه القدرة على تحليل الأمور بهدوء وموضوعية، كما تجعله أكثر انفتاحاً على الآخر وتقبلاً له ولأفكاره، ويظهر الفرق جلياً بين الإنسان المثقف وغير المثقف، سواء في نقاشاته الواقعية أو كتاباته، مضيفاً: ولا يختلف الأمر في وسائل التواصل الاجتماعي كثيراً، فمن السهل علينا ملاحظة الفرق بين النموذجين السابقين من خلال ما يكتبه ويقدمه كل شخص من محتوى، والطريقة التي يعالج بها أي موضوع، والآلية التي يعتمدها في حواراته.
وتابع آل علي: ولكن ما يزيد من دور الثقافة في وسائل التواصل الاجتماعي أنها هي المعول عليها لتكون الحصن المنيع للإنسان أمام سيل المعلومات الجارف الذي يتلقاه بشكل آني من دون أي فلترة أو تنقية، ومن ثم فإن قدرته على تمييز الصواب من الخطأ والغث من السمين تتناسب طرداً مع نصيبه من الثقافة والوعي، لافتاً إلى أن الثقافة أيضاً هي التي تجعل الإنسان يمتلك الميزان الذي يضبط به ما يكتبه وينشره، إذ لا رقيب عليه إلا وعيه وقيمه، والأمر نفسه ينطبق على تعليقاته وردوده على الآخرين، التي تكشف عادة مدى وعي أي شخص ومبادئه وقيمه. ولا نحتاج إلى كثير من الجهد لنرى كيف أن الإنسان المثقف والواعي أكثر قدرة على إدارة تلك الحوارات برقي ومسؤولية، وهو في الوقت نفسه أكثر قدرة على جذب الآخرين إليه وتكوين شبكة من العلاقات على وسائل التواصل قائمة على تبادل المنفعة العلمية والفكرية وتعزيز الحوار البناء وتكريس قيم الإخاء والتسامح.

صون الهوية
ومن جانبها، قالت الدكتورة فاطمة عبدالله الدربي، إن وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر مصدراً مهماً لنشر التوعية بكافة مجالاتها وزيادة المعرفة بين الناس كونها دخلت كافة المنازل دون استئذان، ولكنها أيضاً، في الوقت ذاته، تظل سلاحاً ذا حدين، ففضلاً عن مميزاتها فإن لها محاذير كثيرة، مؤكدة، أنه لابد من تعزيز الوعي الثقافي لدى الأفراد في المجتمعات لتجنب مخاطر تلك الوسائل والوقاية منها، كما أن المسؤولية تجاه زيادة الوعي في المجتمع مشتركة بين الدولة والمؤسسات الخاصة والأسرة.
وأشارت الدربي، إلى أن على المجتمع إدراك خطورة وسائل التواصل الاجتماعي التي تندرج ضمن إطار المفهوم الواسع للإعلام الجماهيري والبدء بإيجاد آليه علمية وعملية لكيفية ضبط هذه الوسائل، وهذا لا يعني المنع أو الحظر وإنما خلق الوعي الخاص للفرد لإدراك مخاطرها وتجنب هذه المخاطر، موضحة أنه لا بد من إعادة النظر في الرسالة الإعلامية والإعداد لخطابات قادرة على معالجة التأثير السلبي لوسائل الإعلام الجماهيري والتحديات التي تنتجها حالياً ومستقبلاً. ولا بد من تبني رسالة تعليمية وتربوية واضحة الأهداف في المدارس لزيادة الوعي لدى شريحة الشباب فما دون ذلك، وكيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي بشكل عام.
واختتمت الدربي قائلة: ترجع أهمية وسائل التواصل ودورها في تشكيل وعي الفرد الاجتماعي لاستحواذها على نسبة كبيرة من وقت الإنسان، وقد تم استغلالها في تغيير الأذهان وبلورة السلوكيات وقلب كثير من المفاهيم الثابتة في مجتمعنا، ولا بد من الحذر من تحول الإعلام العربي بتنوعاته المختلفة إلى وسيلة هدم للهوية الثقافية دون وعي، ولذلك فإن علينا تكريس الثقافة الواعية عبر تنمية الوعي الثقافي من خلال المؤسسات الإعلامية والبرامج الجماهيرية.

المحتوى المصطنع
وبدوره، بيّـن الدكتور حمد الحمادي، أهمية الاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي والثقافة، فهما يعتبران طرفي معادلة لا يمكن تجزئتها إذا أردنا كمجتمع تحاشي التأثير السلبي للمحتوى المصطنع في هذه الوسائل، مشيراً إلى أننا في عالم التواصل الاجتماعي نعيش عالماً غير منقح، عالماً يوافينا بالرسائل الإعلامية الحقيقية والمختلقة في الوقت ذاته، ولهذا تكون الثقافة والوعي هما الفيصل لتحديد تأثير ذلك علينا وعلى فكرنا.
وأضاف الحمادي، أن الرسائل التي تبثها الأطراف المختلفة في وسائل التواصل الاجتماعي هدفها أولاً وأخيراً التأثير على العقل الجمعي للمجتمعات، العقل الذي قد يعتقد أن أمراً ما حقيقياً لمجرد وجود أعداد كبيرة تؤيده رغم أن هذه الأعداد الكبيرة تكون وهمية في بعض الأحيان، مختتماً أن الثقافة هي التي تقف سداً مانعاً أمام أي محاولات للتأثير على العقل الجمعي، ولهذا هي الفيصل في جميع المواجهات الفكرية على وسائل التواصل الاجتماعي.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد