“ذا أتلانتك”: قانون قيصر الأمريكي سيؤثر على مستقبل العلاقات السورية الإماراتية
قال معهد “ذا أتلانتك” السياسي الأمريكي إن قانون قيصر الذي فرضته الولايات المتحدة على سوريا قد يعيق سياسة التطبيع الإماراتية مع سوريا وعودة العلاقات بين البلدين.
وأوضح “إميلي سانتوتشي” في دراسة بالمعهد أن السفير الأمريكي جيمس إف جيفري الممثل الخاص للولايات المتحدة حذر من التعامل مع سوريا، مشيرا إلى أن أي شخص في الإمارات أو أي دولة أخرى يشارك في أنشطة اقتصادية مع سوريا سيصبح “هدفاً محتملاً للعقوبات” الأمريكية.
وألقت تصريحات السفير هذه الموجهة للكيانات الإماراتية بظلالها على سمعة الإمارات كواحدة من أقوى حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي، حيث ترتكز الشراكة الثنائية بين أبوظبي وواشنطن على المصالح الأمنية المشتركة وجهود مكافحة الإرهاب.
وعلى مدى العامين الماضيين حققت الإمارات العربية المتحدة خطوات تصالحية تجاه دمشق، كانت فوائد العلاقات التجارية الإماراتية والسورية قوة دافعة للإمارات لإعادة التواصل مع الرئيس بشار الأسد، فمن ناحية لطالما انجذب المستثمرون الإماراتيون إلى المكاسب المالية الضخمة التي يمكن جنيها من إنعاش الاقتصاد السوري في مرحلة إعادة الإعمار بعد الصراع.
ومن ناحية أخرى توافد الأثرياء السوريون ورجال الأعمال إلى الإمارات في كثير من الأحيان في محاولة لحماية أنفسهم من رادار واشنطن في مواجهة جبهات الأعمال المدرة للربح في الإمارات.
وما يثير القلق الآن هو عدم اليقين بشأن من قد يصبح هدفًا لعقوبات ثانوية بموجب قانون قيصر، وقد أثر ذلك على رجال الأعمال الذين تربطهم صلات مباشرة أو غير مباشرة بسوريا، الأمر الذي يتطلب إعادة تقييم العلاقات الإماراتية مع سوريا وسط موجة جديدة من العقوبات وكيف يمكن تغييرها.
وكانت الإمارات من بين الدول التي أغلقت سفارتها في دمشق عام 2012 وعلقت الأنشطة الدبلوماسية بسبب انتهاكات النظام السوري، إلا أن موقفها تغير لاحقا حيث اجتذبت الحرب الأهلية السورية مشاركة أجنبية أوسع، فقد أصبحت أبوظبي حذرة بشكل كبير من احتمال صعود الجماعات الإسلامية المتطرفة بدلاً من تغيير النظام، لذا ركزت الإمارات على مواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي ومنع الإخوان المسلمين من كسب المزيد من الزخم السياسي.
وبدا ذلك واضحا عندما أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق في ديسمبر 2018، وبعد هذا الإعلان قال قرقاش إن قرار الإمارات بالعودة “إلى العمل السياسي والدبلوماسي في دمشق” جاء بعد قراءة متأنية للتطورات وأن إعادة تفعيل “الدور العربي” كان ضرورة بسبب التعدي الإيراني والتركي على سوريا، وبعد يوم من إعلان الإمارات أصدرت البحرين بيانا أكد أن المملكة تواصل العمل في سفارتها في دمشق “دون انقطاع”.
وعلى الصعيد الإنساني والتنموي قدمت الإمارات أكثر من 530 مليون دولار من المساعدات “للتخفيف من معاناة” السوريين واللاجئين منذ عام 2012، وقد أدى تأثير وباء فيروس كورونا في الأشهر الأخيرة إلى تفاقم الآفاق الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة في سوريا، وفي 27 مارس الماضي اتصل ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بالرئيس الأسد، في أول اتصال مباشر بين زعيم عربي والرئيس السوري منذ عام 2011.
وأكد الأسد خلال الاتصال أن سوريا لن تقف وحدها لمواجهة الفيروس حيث أكدت أبو ظبي “استعدادها لمساعدة الشعب السوري”، لذا لا يمكن إنكار أن التفاعل المعلن عنه بين القادة دعا إلى اهتمام دولي كبير باستقرار العلاقات الإماراتية مع دمشق.
وتبرز الروابط التجارية القائمة بين الإمارات وسوريا العلاقات القائمة على المصالح بين البلدين، قبل عام 2011 ، كانت الإمارات العربية المتحدة ثاني أكبر مستثمر عربي في سوريا ، بإجمالي استثمارات تقدر بنحو 20 مليار دولار، خلال هذه الفترة.
وعلى الرغم من تعليق الإمارات المؤقت للعلاقات الدبلوماسية ، حافظ رجال الأعمال الإماراتيون ورجال الأعمال السوريون المقيمون في الإمارات على اهتمامهم بإعادة إعمار سوريا، أبرزهم عبد الجليل البلوكي، رجل الأعمال الإماراتي البارز الذي زار دمشق في أغسطس 2018 لمناقشة الفرص الاستثمارية المحتملة.
وفي يناير 2019، بعد استعادة العلاقات الدبلوماسية، أطلقت أبوظبي منتدى للقطاع الخاص حيث ناقش رجال الأعمال الإماراتيون والسوريون الفرص الاستثمارية والتجارية المحتملة، وضم المنتدى وفداً تجارياً سورياً برئاسة محمد حمشو، الذي أدرجته الولايات المتحدة على لائحة العقوبات عام 2011 والمعروف بأنه أحد المقربين لماهر الأسد، الشقيق الأصغر للرئيس الأسد.
و بعد بضعة أشهر في أغسطس 2019، حضر وفد من أكثر من أربعين رجل أعمال من الإمارات معرضًا تجاريًا تدعمه الدولة في دمشق بهدف تشجيع الاستثمار الأجنبي في جهود إعادة الإعمار، وأثارت تقارير عن مشاركة إماراتية في المعرض التجاري تحذيرات من واشنطن بعدم إجراء أعمال تجارية مع الحكومة السورية وشركاء الرئيس الأسد.
وبالنسبة للأثرياء السوريين، كانت الإمارات وجهة رئيسية ومركزًا ماليًا، مع تصاعد الحرب الأهلية أصبحت الإمارات مضيفة لعدد من العائلات المرتبطة بالنظام السوري، ومن بينهم بشرى الأسد شقيقة الرئيس الأسد.
ورغم ذلك لم ينجح من يسعون للالتفاف على العقوبات في مسعاهم، ففي عام 2016 ، تم فرض عقوبات على “يونا ستار” ومقرها دبي ودمشق من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) بعد انتهاك حظر الأسلحة المفروض على نظام الأسد والعمل كوكيل شحن لقطاعات من الجيش السوري.
وفي العام نفسه ، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركة أجنحة الشام للطيران التي كان رئيسها عصام شموط ، يشتبه في أن له صلات برامي مخلوف، كما استهدفت عقوبات وزارة الخزانة الأخوين القاطرجي في عام 2018 بسبب التجارة غير المشروعة بالوقود لنظام الأسد كذلك تم فرض عقوبات على شركة “Sonex Investments Ltd” ومقرها الإمارات لاستئجار سفن لشحن النفط الخام والمنتجات البترولية إلى سوريا.
وتقع السياسة الخارجية لدولة الإمارات إلى جانب مصالحها التجارية في صلب استراتيجيتها المحسوبة في سوريا، فقد ازدادت مبادرات أبو ظبي تجاه نظام الأسد التي تم تأطيرها على أنها مجرد براغماتية بشكل مطرد في العامين الماضيين، وحتى الآن ورغم أن الأفراد الإماراتيين والسوريين ليسوا محصنين من العقوبات إلا أن الإمارات لم تظهر أي تغيير في السلوك حتى الآن.
ومع ذلك فإن قانون قيصر يمثل الآن عقبة خطيرة أمام الخطط المستقبلية للاستثمار الإماراتي في إعادة اعمار سوريا، وتعني إمكانات التنفيذ الواسعة لقانون قيصر أن الإمارات يمكن أن تكون أكثر تحفيزًا من أي وقت مضى لجذب المستثمرين الإماراتيين الذين يعملون مع رجال الأعمال المرتبطين بالنظام وشبكاتهم المراوغة. حتى إذا اختارت الولايات المتحدة حجب المزيد من الإجراءات العقابية ضد الكيانات الإماراتية في الوقت الحالي ، فإن موقف أبو ظبي من التقارب مع سوريا قد يتعرض لمزيد من التدقيق من واشنطن في المستقبل.
التعليقات مغلقة.