“ممارسات استفزازية” تركية ضد جنود إيطاليين تنذر بنزاع إقليمي في ليبيا
من جديد، عززت ممارسات تركية استفزازية ضد قوى أجنبية مرتبطة بالملف الليبي، التكهنات والمخاوف من أن تشعل الأزمة الليبية فتيل صدام إقليمي، يزعزع أمن منطقة البحر المتوسط برمتها. فبعد مصر وفرنسا، تتجه أنقرة لكسب عداء روما، في إطار التنافس المحموم بالملف الليبي الملتهب.
تزامن هذا التصعيد بين الفرقاء الإقليميين المتنافسين، مع تحذير جديد من بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، من تحول النزاع المحلي إلى حرب دولية وإقليمية، تجر تداعيات خطيرة على الجوار الليبي والسلم الدولي .
في الوقت ذاته، واصلت الأطراف الداخلية للأزمة، حشدها العسكري وتبادل الرسائل المشحونة بالتهديد والوعيد. ففي الوقت الذي تؤكد فيه حكومة “الوفاق” كل يوم، عزمها المضي في مساعيها للسيطرة على كامل التراب الليبي، يعلن الجيش الوطني، كل ساعة، أنه جاهز للدفاع عن المناطق التي يسيطر عليها، في الوقت الحالي.
أزمة الأربعين جندياً
واتخذت السلطات التركية خطوة تصعيدية جديدة وخطيرة، ضد منافسيها الأوروبيين في ليبيا، استهدفت فيها هذه المرة إيطاليا، إذ منعت القوات العسكرية التركية، الموجودة في مطار مصراتة، الجمعة 31 يوليو (تموز)، 40 عسكرياً إيطالياً من الدخول إلى المدينة، بحجة عدم حملهم تأشيرات لدخول ليبيا .
وأفادت مصادر إيطالية، أن الـ40 جندياً، يعملون في المستشفى الميداني العسكري الإيطالي منذ سنوات، ومنعوا من دخول مدينة مصراتة بناء على أمر من القوات التركية، المسيطرة على مطار الكلية الجوي في المدينة، مبينةً أن “الطائرة الإيطالية (هرقل سي 130) هبطت ظهر الجمعة، في مطار الكلية الجوي في المدينة، وعادت مرة أخرى بالقوات التي تحملها، بعد ساعات.
ويعود تاريخ وجود القوة العسكرية الإيطالية في مصراتة، إلى فترة الحرب بين قوات البنيان المرصوص التابعة للمدينة وتنظيم “داعش” في مدينة سرت عام 2015، حين أنشأت إيطاليا مستشفىً ميدانياً عسكرياً، في القاعدة الجوية بالمدينة، لعلاج جرحى قوات البنيان المرصوص .
وقبل أن تقوم الحكومة روما بإرسال كتيبة عسكرية إيطالية، تابعة للفوج السابع من القناصة، بقيادة اللواء “بينيرولو” إلى مصراتة، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في ليبيا وقتها، أعلنت روما، أن الهدف من إرسال القوة العسكرية، هو حماية المستشفى العسكري الميداني، بالإضافة إلى تدريب عناصر تابعة لحكومة “الوفاق”، وبقيت تلك القوات في القاعدة، حتى يومنا هذا .
“خصم جديد”
ويقول الصحافي الليبي معتز بلعيد، إن “هذه القضية، تكشف مرة أخرى عن إخفاق الدبلوماسية التركية، في التعامل مع ملف الأزمة الليبية، ومع خصومها الأوروبيين في سياقها، التي تكسبها كل يوم خصماً جديداً”.
ويشير إلى خطورة السياسات الاستفزازية التركية ضد الجميع في ليبيا، معتبراً أن “محاولة إخراج اللاعبين الأوروبيين الكبار من المشهد اللليبي بالطريقة التي تنتهجها أنقرة، ستؤدي حتماً إلى صدام ما، مع إحدى القوى التي تعمل على استفزازها، والتي بدأت مع فرنسا وتستمر الآن مع إيطاليا”.
كما يعتقد أن نتائج هذه الاستفزازت التركية لأوروبا، لن تكون في صالحها “فقريباً ستتوحد كلمة أوروبا على مواجهة تركيا في ليبيا، بعد أن فرقتها المصالح المتقاطعة لسنوات، ولكن الآن سيجتمع هذا الشتات الأوروبي، لأن الخطر واحد والتهديد مشترك، ممثل بتركيا التي تلعب لعبة خطيرة جداً مع القارة العجوز وكبارها، لا أعتقد أنها لو تحولت لصدام، ستكون قادرة على مواجهة عواقبها”.
تحذير من حرب إقليمية
وفي السياق، حذرت مبعوثة الأمم المتحدة الخاصة بالنيابة في ليبيا ستيفاني ويليامز، في تصريحات صحافية من لندن، السبت، من مخاطر وقوع حرب إقليمية، على خلفية التنافس المتقد بين دول خارجية عدة، في الملف الليبي .
وقالت إن “الشعب الليبي يخشى على نحو متزايد، أن يؤخذ مستقبله من بين يديه، من قبل جهات خارجية، وأن خطر نشوب حرب إقليمية يتصاعد”.
وتابعت “الشعب الليبي منهك وخائف بالقدر نفسه، لقد سئموا الحرب ويريدون السلام، لكنهم يخشون أن هذا ليس في أيديهم الآن، إنهم يريدون حلاً ووقفاً لإطلاق النار، إن البديل لوقف إطلاق النار والحل السياسي الشامل، هو تدمير بلادهم”.
كما حذرت من سياسات جهات خارجية لم تحددها، بقولها “مع وجود العديد من الجهات الخارجية التي لديها جداول أعمال خاصة بها، فإن خطر سوء التقدير والمواجهة الإقليمية مرتفع، هذه معركة بين منافسين خارجيين، بقدر ما هي حرب أهلية الآن، يفقد فيها الليبيون سيادتهم”.
برلين تنتقد واشنطن
من جانبه، دعا السفير الألماني لدى الأمم المتحدة كريستوف هويسغن، الولايات المتحدة إلى عدم عرقلة جهود الأمين العام لتعيين مبعوث جديد إلى ليبيا، خلفاً لغسان سلامة.
وأوضح هويسغن، في تصريحات صحافية السبت، أن “هناك تساؤلات أثارها الشركاء الأميركيون، فيما يتعلق بهيكلة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا”، قائلاً “إن ما طُرح قابل للنقاش، لكن يجب على واشنطن ألا تمنع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من تعيين شخص للمنصب”.
وكانت مصادر صحافية غربية، كشفت أن الولايات المتحدة، اقترحت تعيين رئيسة الوزراء الدانماركية السابقة هيلي ثورنينغ شميت، مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة في ليبيا، في الفترة الماضية، لكنها رفضت تولي المهمة الصعبة.
حفتر يتفقد قواته
وعلى صعيد آخر، واصل القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، سلسلة الجولات التي يقوم بها، على معسكرات تابعة للقوات المسلحة، لتفقد استعداداتها العسكرية وتجهيزاتها لصد أي هجوم، قد تشنه قوات “الوفاق” على سرت والجفرة .
وقال حفتر، بعد جولة داخل معسكر طارق بن زياد، واحدة من أهم الكتائب العسكرية التابعة له، إن “الليبيين سيتصدون لكل مستعمر وسيقومون بطرده”، مؤكداً أن “بلاده لن ترضى بالاستعمار التركي”.
وأشار إلى أن “الأتراك بقوا في ليبيا لأكثر من 300 عام، في الماضي، ولم ير منهم الليبيون إلا الشر، ونحن لهم بالمرصاد وطردهم سيكون الهدف الأساسي لنا”.
ومع كل تصعيد يعمق التعقيد، تمضي الأزمة الليبية رويداً رويداً إلى مواجهة تختلط فيها الوجوه والأوراق واللاعبون، بين من هو ظاهر ومن هو مستتر، مع تلبد أفق الحل السياسي، وتشتت الجهود الدولية، بتقاطع المصالح وتعارض الأطماع، بينما تتفرق أيدي الليبيين على القلوب والأزندة، خوفاً وترقباً لما هو آت في الخطوط الحمر بسرت والجفرة .
التعليقات مغلقة.