الصين قاطرة الاقتصاد العالمي
تحليل- مجدي صبحي
من بين الأسباب الرئيسية التي جعلت جائحة فيروس كورونا لها مثل هذا التأثير الاقتصادي المدمر، هي أنها تسببت في ركود اقتصادي متزامن في كافة بلدان العالم خاصة الأكبر منها.
والعيب الرئيسي في الركود المتزامن أنه يحرم الاقتصاد العالمي من وجود بعض البلدان الكبيرة التي لا تمر بركود وبالتالي تعمل كقاطرة تجر بقية الاقتصادات بعيدا عن الركود مما يسرع من عملية الانتعاش الاقتصادي وينعكس على الأداء الاقتصادي العالمي ككل. والواقع أنه بقدر ما يستفيد البلد الذي يلعب دور القاطرة بقدر ما يستفيد أيضا بقية أجزاء القطار.
وقد سبق على سبيل المثال وأن لعبت الصين بالأساس إلى جانب عدد محدود من البلدان هذا الدور في أعقاب الأزمة المالية والاقتصادية في عام 2008، حيث ساعد استمرار النمو الصيني على زيادة الواردات من مختلف أرجاء العالم مما نشط الاتجاه لاكتساب عملية النمو الاقتصادي قوة دفع في بلدان الأزمة.
من هنا يثور التساؤل عما إذا كانت عملية التعافي الجارية في الصين سيشتد عودها بحيث تعود الصين من جديد للعب دور قاطرة الاقتصاد العالمي نحو الخروج من حالة الركود.
تعافي اقتصادي ملحوظ
أظهرت الإحصاءات أخيرا عودة الاقتصاد الصيني للنمو بشكل أكبر مما كان متوقعا. حيث سجل الاقتصاد معدل نمو بلغ 3.2% خلال الربع الثاني من العام، بينما كانت التوقعات ترجح تسجيل الاقتصاد لمعدل نمو قدره 2.4% فقط، وكان الاقتصاد قد شهد انكماشا بمقدار 6.8% خلال الربع الأول من العام. ويرى بعض الاقتصاديين أن الطبيعة غير المتوازنة للتعافي الاقتصادي الصيني ربما تكون مصدرا للقلق.
فبينما ارتفعت الاستثمارات في البنية الأساسية وقطاع العقارات، فقد استمرت تجارة التجزئة والاستثمارات الخاصة على ضعفها. ويشير هذا كما يقولون إلى أن معظم التعافي تم تمويله بجرعة منشطة من الائتمان الحكومي. وفي رأيهم أنه بدون ارتفاع في الاستهلاك وإنفاق القطاع الخاص، سوف يستمر القلق من أن التعافي الصيني يمكن أن يفقد قوة الدفع في أي وقت.
والواقع كون النمو استند للإنفاق الحكومي هو أمر طبيعي في ظل خطط التعافي الاقتصادي الموضوعة للخروج من الأزمة وهي الخطط التي تهدف إلى مكافحة ارتفاع معدلات البطالة وزيادة القوة الشرائية لدى المستهلكين.
وعلى الرغم من انخفاض مبيعات التجزئة بنسبة 1.8% مقارنة بالربع الثاني من عام 2019، إلا أنه ربما يعزز من فرص استمرار النمو ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي على العديد من المنتجات، بينما تركز انخفاض الاستهلاك في عدد محدود من المنتجات الكمالية الفاخرة مثل الأثاث والمجوهرات والسيارات، وهو أمر طبيعي نتيجة لبعض التروي في الإنفاق من جانب المستهلكين في ظل استمرار ملامح الأزمة وعدم تأكد استقرار معدلات النمو وانخفاض معدلات البطالة بشكل ملموس.
إلى جانب ذلك انخفض الإنفاق على المطاعم ومنتجات الوقود وهو أمر طبيعي مع استمرار الحذر من عودة تفشي الفيروس مما يجبر المواطنين على التزام منازلهم أكثر.
انتعاش في التجارة الخارجية
ارتفعت واردات الصين من المواد الخام الأولية من النفط إلى فول الصويا والنحاس في شهر يونيو الماضي ارتفاعا كبيرا لتسجل أرقاما قياسية مع بدأ التعافي الاقتصادي من جائحة فيروس كورونا التي أضرت بنمو الاقتصاد الصيني والعالمي.
وبينما تصاعدت شحنات فول الصويا والنفط الخام التي تم شراؤها مع انهيار أسعارها، فإن الواردات من خام النحاس والحديد قفزت خلال يونيو مع توقع انطلاق الطلب على السلع وعودة النشاط الصناعي الصيني للارتفاع.
وكان النشاط الصناعي قد ارتفع بالفعل خلال الربع الثاني من العام بنسبة 4.8% مقارنة بنفس الربع من عام 2019.
وقد أظهر الاقتصاد الصيني علامات متزايدة على التعافي خلال شهر يونيو الماضي، مع توضيح البيانات حدوث ارتفاع في كل من الصادرات والواردات. ويأتي هذا الارتفاع المفاجئ مع بدأ بعض الاقتصادات المتقدمة في إعادة فتح نشاطاتها الاقتصادية، وهو ما قد يدعم من آفاق زيادة صادرات وواردات الصين خلال الفترة المقبلة.
ويشير ارتفاع أحجام الواردات بشكل ملحوظ إلى الطلب المحلي القوي في الصين إلى جانب انتهاز فرصة انخفاض أسعار العديد من السلع.
وشهدت الصين ارتفاعا في وارداتها من النفط الخام إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق خلال الشهر الماضي نتيجة لانخفاض أسعار النفط، حيث كان سعر برنت يزيد بقليل عن 40 دولار للبرميل خلال يونيو الماضي مقارنة بنحو 63 دولار للبرميل خلال يونيو 2019.
وفي نفس السياق سجلت الواردات من فول الصويا رقما قياسيا مع زيادة الواردات من الولايات المتحدة والبرازيل للاستفادة من رخص الأسعار، إلى جانب ذلك ارتفع الطلب في الصين نتيجة لزيادة الحاجة للصويا التي تستخدم كغداء للحيوانات مع عملية إعادة تربية قطعان كبيرة من الخنازير بعد الوباء الذي تعرضت له الحيوانات في وقت سابق مما قلص من عددها.
وقفزت الواردات من الغاز الطبيعي بحوالي 11% فوق المستوى الذي سجلته في يونيو 2019 استغلالا لفرصة انخفاض الأسعار بشراء شحنات من عرض البحر بعد تخلي دول شمال آسيا الأخرى عن عدد من هذه الشحنات لانخفاض الطلب.
وفي الوقت ذاته زادت مشتريات الصين من خام النحاس وبعض منتجاته لتسجل رقما قياسيا وزادت أيضا الواردات من الحديد الخام لتبلغ أعلى مستوى لها على الإطلاق بالرغم من الارتفاع الأخير في الأسعار.
ويبدو أن الاتجاه نحو زيادة الواردات خاصة من السلع الزراعية قد استمر خلال شهر يوليو الحالي. فقد أعلنت وزارة الزراعة الأمريكية يوم الثلاثاء 14 يوليو أن الصين قد اشترت أكبر كمية على الإطلاق في يوم واحد من الذرة الأمريكية حيث قامت بشراء 1.762 مليون طن في هذا اليوم. وكانت الصين قد اشترت أيضا نحو 1.365 مليون طن من الذرة يوم 10 يوليو، وهو ما قد يجعل كمية المشتريات الصينية من الذرة الأمريكية خلال شهر يوليو الحالي كمية قياسية.
أضف إلى ذلك كله أن الزيادة في الواردات ربما لا تكون مقتصرة على الواردات من السلع الأولية. فقد أوضحت دراسة نشرها المعهد الاقتصادي الألماني (IW) أن الصين في طريقها لتصبح أول وجهة تصديرية للاقتصاد الألماني. وبينما أصابت أزمة كوفيد-19 التجارة العالمية بأضرار، واستمر الوضع في التدهور في العديد من أسواق الصادرات الألمانية فإن الاقتصاد الصيني طبقا لما تقول دراسة المعهد “يتمتع بالفعل بتفاؤل حذر”.
أما بالنسبة إلى الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد نقلت وكالة شينخوا عن المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية أن الاستثمار الأجنبي المباشر قد انخفض بنسبة 1.3٪ على أساس سنوي إلى 472.18 مليار يوان (حوالي 76.5 مليار دولار) في النصف الأول من العام. ولكن نفس البيانات أظهرت أنه خلال شهر يونيو وحده سجل تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر 117 مليار يوان (حوالي 16.7 مليار دولار)، مما يشكل ارتفاعا بنسبة 7.1٪ مقارنة بشهر يونيو 2019.
الأوضاع الاقتصادية في الصين شهدت إذا تحسنا كبير نسبيا خلال الربع الثاني من العام، ولاسيما خلال شهر يونيو. والعقبة الرئيسية المحتملة أمام استقرار هذا التحسن ولعب الصين بقوة لدور قاطرة الاقتصاد العالمي هي عودة الفيروس للتفشي بقوة في البلدان الكبيرة والمتقدمة، مما يرغم هذه البلدان على العودة مرة أخرى لإغلاق الأنشطة الاقتصادية.
تحليل نقلا عن بوابة العين الإماراتية
التعليقات مغلقة.