لواء بحري تركي يؤكد أن أردوغان هو العقل “المُدبر” للإنقلاب للانفراد بالسلطة

قال الأميرال التركي المقيم بالولايات المتحدة مصطفى أوغورلو أن بلاده اصبحت أكثر استبدادية في عهد رئيس النظام رجب أردوغان، مشددا على أنه لا يمكنه العودة إلى وطنه بعد أن خدمه لعشرات السنوات خوفا من بطش أردوغان، مؤكدا في تصريحات لوسائل اعلام أمريكية أنه “ليس بأمان”.
وطلب الأميرال التركي حق اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، وذلك عقب اتهامه من قبل السلطات التركية بالضلوع في المحاولة الانقلابية الفاشلة “المزعومة” التي جرت في البلاد في شهر يوليو 2016. وكان الأميرال المذكور واسمه مصطفى أوغورلو منتدبا للعمل في قاعدة تابعة لحلف شمال الأطلسي في ولاية فرجينيا الأمريكية وقت وقوع المحاولة الانقلابية المزعومة، ويرى العسكري التركي إن نظام أردوغان هو من يقف خلف تدبير المحاولة الانقلابية لتبرير الانفراد بالسلطة.
ونشر الموقع الإلكتروني التابع للإذاعة الوطنية العامة في الولايات المتحدة (NPR)، نص تقرير اذاعي، تناول قصة اللواء في البحرية التركية، مصطفى زكي أوغورلو، الذي كان أحد كبار ضباط قاعدة التدريب التابعة لحلف الناتو، في ميناء نورفولك، بولاية فيرجينيا الأمريكية، حيث روى الجنرال التركي تفاصيل ما حدث معه وضباط آخرين، خلال “انقلاب” يوليو 2016 وكيف استغل الرئيس التركي ذلك من أجل تصفية معارضيه والتخلص منهم في ظل التحديات التي يعاني منها داخليا بما يهدد بقاءه في السلطة.
وقال اللواء أوغورلو، أنه عندما بدء “الانقلاب” المزعوم في تركيا، كان للتو قد أنهى مشاركته في اجتماع عالي المستوى، تم داخل قاعدة نورفولك، حين فوجئ بأحد مساعديه يهرع إليه، ويخبره أن “شيئاً ما يحدث في تركيا الآن”، ثم توالت الأنباء عن إغلاق جسر البوسفور، وانتشار الدبابات والمدرعات في شوارع العاصمة، وتحليق مكثف للمروحيات والمقاتلات في سماء إسطنبول وأنقرة ومدن أخرى.
من جانبه، احتفل الرئيس التركي أردوغان بالذكرى السنوية الرابعة بالإصرار مرة أخرى على أن الانقلاب حرض عليه أتباع رجل الدين المسلم فتح الله غولن، وهو حليف أردوغاني سابقًا يعيش الآن في ولاية بنسلفانيا. وينكر غولن بشدة أي تورط.
وأوضح الجنرال التركي إنه حينها حاول التواصل هاتفياً مع كبار ضباط قيادة الجيش التركي، لكنه لم يستطع تأمين الاتصال مع أي أحد منهم، فعاد إلى مكتبه، وبدأ في التفكير في تفاصيل الانقلاب الجارية في هذا التوقيت، ورأى حينها أن اغلاق جسر البوسفور، في فترة الذروة، مساء يوم عطلة، يعد خطأً كبيراً من جانب منفذي الانقلاب، وتنبأ بفشل هذا الانقلاب في النهاية، ووضع هذا الملف جانباً، واستمر في تأدية مهامه بصورة عادية داخل قاعدة الناتو.

وفوجئ مصطفى، بعد الانقلاب بأسبوعين فقط، بأن الصحافة التركية نشرت صورته كأحد الضالعين في هذا الانقلاب، وتعزز هذا الاتهام بمساعدة من حلف الناتو والولايات المتحدة، وفي النهاية تم فصله من عمله، وتوجيه أوامر عاجلة له بالعودة إلى تركيا. لكنه فضل عدم العودة، وقرر طلب اللجوء في الولايات المتحدة، بمعية 24 ضابطا تركيا، كانوا يعملون معه في قيادة قاعدة تدريب الناتو، وقواعد أخرى في الولايات المتحدة، مؤكدا أنه اذا عاد إلى تركيا سوف يلقى السجن والتعذيب الذي يتعرض له زملاءه حاليا في سجون أردوغان.
عدد من هؤلاء الضباط، أدلى بتصريحات لمؤسسة(NPR)، عقب أشهر من فشل الانقلاب، وقد نفى الضباط بشدة أي دور لهم في هذا الانقلاب، وأبدوا مخاوفهم من انتقام النظام التركي منهم، لذلك شددوا على ضرورة عدم نشر أسمائهم أو صورهم في تصريحاتهم المنشورة.
لكن الأميرال بالبحرية التركية مصطفى أوغورلو، البالغ من العمر 54 عاماً، قرر التحدث بصراحة ووضوح عن هذه التجربة، مع نشر أسمه وصورته، وذلك لأنه حسب رأيه “لم يتغير شيء في تركيا، سوى أن القمع الذي تمارسه حكومة رجب طيب إردوغان، أصبح أكثر شدة وانتشارا”، لذلك قرر اللواء التحدث إلى الإذاعة الأمريكية، رغبة منه في فضح الظروف السيئة التي تعيشها القوات المسلحة التركية خاصة، والداخل التركي بصفة عامة.
وأضاف الأميرال التركي الذي تولى قيادة العديد من سفن البحرية التركية، وشارك في العمليات العسكرية لحلف الناتو في البلقان، كما خدم لفترة في قيادة حلف الناتو في إيطاليا، أن الآلاف من زملائه الضباط، من بينهم عدد من أصدقائه المقربين، تم اعتقالهم بصورة تعسفية عقب الانقلاب، وقال “جميع زملائي تقريباً باتوا في السجون، بأحكام تصل إلى السجن مدى الحياة، دون حتى إمكانية استفادتهم مستقبلاً من إطلاق السراح المشروط، وقد تعرضوا للتعذيب في الفترة التي تلت الانقلاب مباشرة، مع أنهم وقت الانقلاب كانوا في إجازات، او في دول أخرى خارج تركيا مثلي، وبالتالي لم يكن لهم أي دور في هذا الانقلاب”.
في غضون ذلك، أرسلت السفارة التركية في واشنطن إلى مؤسسة (NPR)، بياناً ذكرت فيه أنه مازالت هناك مذكرة اعتقال سارية بحق اللواء مصطفى زكي أوغورلو، وحمل البيان تساؤلات حول عدم عودته إلى تركيا حتى الآن، وقال نصاً “لماذا يريد ضابط برتبة رفيعة مثل هذه، طلب اللجوء إلى الولايات المتحدة، ويرفض العودة إلى بلاده، اذا كان حقاً لا ينتمي إلى المجموعة التي خططت لمحاولة الانقلاب؟”. وأضاف البيان أن الولايات المتحدة تحتضن حالياً، العديد من الضباط الأتراك الكبار، “الضالعين في هذا الإنقلاب”، على حد وصفه.
ويرى عدد من الضباط الأمريكيين، أن عدد كبير من الضباط الأتراك المقبوض عليهم بعد “الانقلاب”، والذين عملوا معهم في قواعد الناتو في الولايات المتحدة، لم تكن لهم أية علاقة بما جرى ليلية 15 يوليو، لكن كانوا موضع اشتباه، نظراً لأنهم عملوا لمدد طويلة في قواعد الحلف، أو تواجدوا لسنوات طويلة على الأراضي الأمريكية. وقد استمرت الاعتقالات في تركيا، بعد أربع سنوات من “الانقلاب الفاشل، إذ يواجه نحو 80 ألف ضابط وقاض ومحام ومدرس وصحفي، خطر المحاكمة والإدانة، وفقد نحو 130 ألف موظف وظائفهم جراء حملة التطهير التي تلت الانقلاب.
ومع حلول الذكرى السنوية الرابعة للانقلاب المزعوم، أصبح تاريخ الخامس عشر من يوليو، يوماً (للديمقراطية الجديدة والوحدة الوطنية)، من جانبه، احتفل الرئيس التركي مؤخراً بالذكرى السنوية الرابعة للانقلاب، بالإصرار مرة أخرى على أن الانقلاب حرض عليه أتباع الداعية فتح الله غولن، الذي كان في ما مضى حليفاً مقرباً لأردوغان، لكن معارض له حالياً، ويعيش في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، وينفي بشدة أي تورط له في هذا الانقلاب.
الاميرال مصطفى زكي اوغورلو وبعض زملائه الضباط، على قناعة بأن أردوغان نفسه هو من قام بتدبير هذا الأنقلاب، بهدف إيجاد مبرر للقضاء على كافة معارضيه، وتكريس سيطرته على السلطة وتوسيعها. يقول اللواء في هذا الاطار “لقد كانت عملية خداعية، تم وضع خطة مثالية بدأها ونفذها النظام التركي، لكنه أرتكب خلالها العديد من الأخطاء، منها ترك أدلة واضحة وشهود موثوقين على حقيقة الإنقلاب وراءه”.
وأضاف اللواء أن الجيش التركي “لو أراد حقاً القيام بانقلاب، فأنه سيكون انقلاباً ناجحاً ومخططاً له بعناية”، مؤكدا أنه لا يحاول التواصل مع أي من أصدقائه أو زملائه في تركيا، وقال “نحن لا نحاول التواصل معهم، لأننا نعتقد أنهم وعائلاتهم تحت ضغط شديد، ومراقبة لصيقة خاصة أنه لا يسمح لهم بمغادرة البلاد”. ومع ذلك، يواصل بعض الضباط العسكريين وغيرهم الفرار، ففي العام الماضي، أجرت مؤسسة (NPR)، مقابلة مع ضابط في البحرية التركية، تسلل بحراً إلى اليونان، ثم سافر إلى ولاية كاليفورنيا، ثم لحقت به عائلته بعد ذلك.
عدد من المحللين الأتراك، يشككون في أن أردوغان كان وراء الانقلاب الفاشل، منهم راشيل إلهاوس، نائبة مدير برنامج أوروبا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث يقع مقره الرئيسي في العاصمة واشنطن، وتقول “لن أقول إن ذلك غير قابل للتصديق تمامًا، لكني لم أرى حتى الأن دليلاً معتبراً على صحة هذا الطرح”. لكنها مع ذلك تقر هي وأخرون، أن أردوغان استفاد بشكل كبير من هذا الانقلاب (الذي سماه أردوغان نفسه هدية من الله)، مما سمح له بالقضاء بشكل تام على كافة الأصوات الداخلية المعارضة لحكومته.

حتى الآن، مازال اللواء التركي، وضباط أتراك آخرون، ينتظرون البت في طلباتهم للجوء في الولايات المتحدة، وقد اعترف اللواء ان طلبه للجوء كان له تأثير مؤلم على نفسه، وقال “لقد كان مؤلماً جداً أن أطلب اللجوء في دولة أجنبية، أنا أحب وطني، وقضيت 30 عامًا في خدمة بلادي، لكني في نفس الوقت أخشى العودة إليها”.
ويشير الاميرال مصطفى زكي اوغورلو، إلى أنه يساعد حالياً زوجته، في إدارة متجر لبيع الملابس، مضيفاً إلى أن زوجته تتولى رئاسة منظمة خيرية، تعمل على زيادة الوعي الأمريكي، في ما يتعلق بما يحدث في الداخل التركي.
وأشار إلى أنه وعائلته وزملائه الضباط وعائلاتهم، “يتفاعلون بشكل إيجابي مع المجتمع الأمريكي في جزيرة نورفولك، حيث من المقرر أن تتزوج ابنته من مواطن أمريكي في سبتمبر المقبل، كما يدرس ابنه حالياً في أحدى الجامعات المحلية، كما الضباط الأتراك الآخرين، الذين بقوا في الجزيرة، حصلوا على وظائف متنوعة، منهم من أصبح طياراً مدنياً، ومنهم من عمل كمدير في شركة أمازون، ومنهم من التحق بجامعات محلية”.
مشيراً إلى أنه “لكل عائلة تركية، عائلة أمريكية شقيقة، ونتبادل جميعاً القيم الثقافية، ونحن سعداء، وفي واحدة من أفضل البلدان في العالم بالنسبة لنا، لكننا نفكر دائمًا في أصدقائنا في تركيا، فالتعذيب لا يزال مستمراً، وعائلاتهم تعاني من أوضاع صعبة”.
وتابع التقرير “قلق اللواء التركي على حياته وحياة عائلته مازال مستمراً، ومازال قلقاً من محاولات النظام التركي تعقبه، خاصة وانه سبق لعملاء تابعين للمخابرات التركية، أن اختطفوا ضباط أتراك كانوا قد فروا إلى دول أخرى، وقال “ربما لست بأمان كما كنت من قبل.