“السياسة النقدية في العراق” وفرص الاستقرار النقدى والتحول الرقمي “دراسة حصرية”
أجرتها\ رباب سعيد مراسلة مجلة استثمارات الإماراتية شؤون مصر وشمال إفريقيا
“دراسة بحثية أشارت إلي إعادة توجيه البنية التحتية المالية للعراق لتتوافق مع المعايير العالمية”
ملخص
“في عالم يتزايد فيه الاعتماد على التعاملات المالية الرقمية، اتخذ العراق خطوة مفصلية عن طريق إقرار التعديل الخاص بتعليمات المدفوعات الالكترونية رقم 2 لعام 2024. تمثل هذه الضوابط أكثر من مجرد تقدم تنظيمي؛ إنها تعني إعادة توجيه البنية التحتية المالية للعراق لتتوافق مع المعايير العالمية. وتهدف هذه الخطوة إلى تقليل الاعتماد المفرط على النقد، وتعزيز الشمول المالي والشفافية الاقتصادية، مما يشير إلى مستقبل من المرونة والابتكار في القطاع المالي العراقي”
كشفت دراسة بحثية حديثة عن أن حديث المحللين عن التحول الرقمي الشامل و تنفيذ استراتيجية الاصلاح المصرفي المركزي العراقي والتي احد اهدافها الرئيسية هو انجاز التحول الرقمي في القطاع المصرفي والتي بدأها البنك المركزي اعتبارا من 2016 بمراحل واتجاهاً واضحاً حيث أصبحت المدفوعات الرقمية جزءاً أساسياً من مستقبل العراق الاقتصادي
“المستشار سمير النصيري \عضو الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب”
الدراسة الحصرية التي أعدها المستشار سمير النصيري عضو الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب ل” مجلة استثمارات الإماراتية “ أشارت إلي عوامل عدة ويأتي في مقدمتها تبسيط التبادل النقدي، وزيادة وضوح البيانات، وتحسين الأمان المالي
السياسة النقدية والاستقرار النقدي
أشارت الدراسة إلي المتغيرات الاقتصادية بعد 2003 حيث برزت الحاجة للإصالح الجذري للبنك المركزي وصدر القانون الجديد الذي اكد استقلاليته وتثبيت دوره الأساسي في حماية موارد البلاد.
و تحديد مهامه في مواجهة غسل الأموال ومحاولات تمويل الإرهاب التي تقف في مقدمة التحديات التي تواجه البنك المركزي العراقي . و الحرص على سلامة العمليات النقدية من خلال نافذة بيع العملة الأجنبية أمر اساسي في اداء البنك وتثبيت مبادئ وقواعد التعامل المشروع في جو سليم من الرقابة والأشراف
كذلك المحافظة على استقلالية البنك وتمكينه من اداء مهمته من غير تدخل حكومي وجعله مؤسسة فعالة وضامنة لمصالح المجتمع ككل . اضافة الى سيطرته على استقرار سعر الصرف وادارة عرض النقد
ولفتت إلي عملية بيع العملة الأجنبية بحاجة فهم عميق في ظل الاتهامات الكبيرة التي يتعرض لها البنك من دون ادلة تثبت وجود شبهات فساد او عملية غسل للأموال او تهريب للعملة و ان بيع العملة هو هدر للمال العام فهذا توصيف لا يمت للعلمية الاقتصادية
وأوضحت أن البنك المركزي العراقي معني بالاستقرار المالي وادارة نظام المدفوعات وادارة الاحتياطات الأجنبية وترخيص ومراقبة المصارف والمؤسسات المالية ، حيث يتولى وضع الضوابط الوقائية ، اضافة الى مهام اخرى تتعلق بالإصدار النقدي ونشر البيانات والمؤشرات والتنبؤات الاقتصادية .
و ادارة السياسة النقدية التي تهدف الى تحفيز الاقتصاد الوطني وتوازن ميزان المدفوعات وتحقيق الاستقرار النقدي
وأكدت الدراسة ان تحقيق اهداف السياسة النقدية يتوقف بشكل رئيسي على استقلالية البنك المركزي ، والاستقلالية هنا هي في قدرة البنك المركزي على التحكم والسيطرة على حجم الكتلة النقدية ، ورغم ما تنص عليه قوانين البنوك المركزية في اكثر
دول العالم بل ان هذه الاستقلالية من الناحية الواقعية والعملية قد تخضع لتأثيرات وتحديات اخرى ، بدرجات متفاوتة تؤثر في تلك الاستقلالية
وأشارت ان الاستقرار النقدي يمثل نقطة الانطلاق نحو الاستقرار الاقتصادي ويتطلب ذلك استقرارا نقديا يتمثل في قدرة السلطة النقدية على تحقيق استقرار الأسعار عند مستويات مستهدفة
التحديات والفرص
كشفت الدراسة التي اعدها “المستشار سمير النصيري” إلي تحديات التي تواجه السياسات النقدية اهمها – الاقتصاد الريعي
والذي يؤدي الى سلوك ريعي ، تتبدد فيه الموارد بالإنفاق الاستهلاكي والتبذير والترهل وضعف الكفاءة وبزيادة الأنفاق الريعي مع عدم مرونة الجهاز الإنتاجي المحلي وعدم تنوعه ويزداد الاستيراد، ويزداد تحويل العملة الأجنبية الى دينار لصالح الحكومة من قبل البنك المركزي ، مما يشكل ضغطا تضخميا وضغطا على ميزان المدفوعات
و السياسة المالية طبيعة الإيرادات العامة دولاريه بنسبة %95 وهي تشكل الأساس النقدي لدى البنك المركزي ، وانفاق الحكومة هو المحدد للتوسع في العرض النقدي
وأشارت تغطية النفقات المحلية من الإيرادات المحلية لا تتجاوز الـ %5 مما يؤدي الى استبدال العملة الأجنبية المتأتية من الإيرادات النفطية بالعملة المحلية ( الدينار ) عن طريق البنك المركزي ، مما يؤثر في عرض النقد بشكل واسع.
ضعف مرونة النفقات والإيرادات والتي غالبا ما تكون محكومة بتأثيرات سياسية تتسبب في نفقات يصعب تخفيضها مثل الرواتب والإعانات وغيرها، وبدلا من تكييف النفقات وفقا للإيرادات او زيادة الإيرادات غير النفطية
و ضعف استهداف الأنفاق الحكومي لتوسيع القدرات الإنتاجية المحلية وتهيئة ظروف ودعم القطاع الخاص ، ولم يتحقق زيادة في انتاجية شركات القطاع العام ، بل استمرت في تلقي دعم الموازنة العامة رغم خسائرها الكبيرة والمتراكمة
وأشارت الدراسة إلي تمويل عجز الموازنات العامة للدولة حيث يمثل اكبر التحديات امام السياسة النقدية ، وهو يتناسب عكسيا مع استقلالية البنك المركزي حين يتم تمويل هذا العجز عن طريق شراء البنك لحوالات الخزينة .
لقد خصم البنك المركزي حوالات خزينة خلال الفترة من نهاية سنة 2015 ،ولغاية الوقت الحاضر لغرض تسديد الرواتب ومستحقات المقاولين والفلاحين
فقد- ضعف العمق المالي والرافعات المالية ولفتت إلي
تتسم الأسواق المالية اسواق الأسهم والسندات ، اسواق رأس المال ، اسواق النقد بالمحدودية ، مما يفوت فرص توظيف المدخرات المحلية والحد من ظاهرة الاكتناز وسحب السيولة لتوظيفها في القطاعات الحقيقية
وأشارت إلي – ضعف الجهاز المصرفي الذي .يمثل ركنا اساسيا من اركان الاقتصاد والحلقة الرئيسية فيه وذراعا مهما للبنك المركزي في تحقيق الاستقرار النقدي وأعمال مهما في المساعدة في ادارة الكتلة النقدية عبر ادوات البنك المركزي التي يقوم بها من خلال الجهاز المصرفي من خلال اسعار الفائدة والاحتياطات الإلزامية وبيع وشراء الأوراق المالية وسوق سعر الصرف .، بل ان هذا القطاع يعاني من ظواهر تحديات
ولفتت إلي محدودية المنتجات والخدمات المصرفية نوعيا وجغرافيا
هيمنة المصارف الحكومية على القطاع بنسبة نزيد على %80.
الديون المتعثرة وتركز الائتمان. وضعف الحوكمة المؤسساتية . وتلقي صدمات مالية بسبب انخفاض نشاط القطاع الحقيقي .
ونوهت الدراسة إلي انخفاض الاستثمار المحلي وزيادة الادخار الأجنبي
نظرا لظروف البيئة التشريعية والتنظيمية والنقدية فأن نسبة كبيرة من المدخرات تذهب الى الاستثمار خارج العراق ، ومع ضعف واردات العملة الأجنبية من مصادر التصدير فأن كل ذلك يؤدي الى ان يصبح البنك المركزي هو الجهة التي تحتكر عرض العملة الأجنبية في سوق الصرف بالكامل اي انها بحكم الواقع المصدر الوحيد الذي يغطي الطلب على العملة الأجنبية .
ضعف التنسيق بين السياسة المالية والنقدية .
وأشارت إلي تشكل السياستان المالية والنقدية ركنا السياسة الاقتصادية وحيث ان السياسة المالية تلعب دورا مهما في ادارة النفقات والإيرادات العامة واللذان يؤثران تأثيرا مباشرا في الناتج المحلي الإجمالي وعرض النقد والطلب الكلي والتشغيل فأن التنسيق بينها وبين السياسة النقدية امر مهم بدونه تتلقى السياسة النقدية ضغوطا وتحديات كبيرة ، ومع ضعف هذا التنسيق كانت السياسة النقدية مصدرا مستمرا لموجات الإنفاق المتزايد وضعف الإيرادات المحلية وضعف الأنفاق الاستثماري
التحول الرقمي الشامل
وأشار عضو الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب “سمير النصيري” إلي أن انجاز التحول الرقمي في القطاع المصرفي والتي بدأها البنك المركزي اعتبارا منذ 2016 بمراحل واضحة تضمنتها استراتيجيته الأولى والثانية والثالثة . وخلال السنتين الماضية كان التعاون بين البنك المركزي والحكومة بدعم ومتابعة شخصية للسيد رئيس مجلس الوزراء وترأسه لجنة التحول الرقمي خطوة اساسية لتفعيل وتسريع التحول الى الحكومة الرقمية والانتقال من
الاقتصاد النقدي الى الاقتصاد الرقمي تبين بلغ المبلغ المحصل من الدفع الرقمي (7.6 تريليون دينار عراقي) في تشرين الأول ٢٠٢٤، بعد أن كان (2.6 تريليون دينار عراقي) في كانون الاول ٢٠٢٣
ولفتت الدراسة أن الوقت الحالي يواجه الاقتصاد العراقي المعتمد على النقد تحديات كبيرة في تتبع الأموال والشفافية. و بدوره فأن تعليمات المدفوعات الالكترونية الجديدة هي خطوة باتجاه تحسين الامتثال، ويحفز الشركات على تبني أدوات مثل أنظمة نقاط البيع ، والمحافظ الإلكترونية، وبوابات الدفع عبر الإنترنت. ومع تبني البلد لهذا المسار في تطوير إطار قانوني يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة وأفضل الممارسات المالية الدولية حيث ارتفعت نسبة التحول الرقمي والدفع الإلكتروني إلى %48.5بالمقارنة مع %20 خلال السنوات الماضية
ونوهت الدراسة إلي نجاح الخطط والإجراءات المعتمدة للوصول الى تحول كبير بجهد وطني متميز لكوادر البنك المركزي والحكومة والمصارف وشركات الدفع الإلكتروني ساهم بشكل واضح الى امتلاك بنية تحتية متقدمة لتنفيذ واستيعاب ادوات الدفع الإلكتروني والخدمات المالية المتعددة
وتابعت أن العراق يمتلك الآن بنية تحتية متقدمة قادرة على استيعاب أدوات الدفع الإلكتروني والخدمات المالية. سننتقل قريباً إلى البنوك الرقمية، حيث ستقود الهواتف الذكية مختلف العمليات المصرفية. سيسهل هذا التحول الوصول المالي للخدمات للمواطنين، ويوفر بيانات حيوية على المستوى الوطني بشأن طبيعة المعاملات، ومحتواها، والإشراف، والامتثال الذي تحقق من خلال هذا النظام الشامل
الدراسة أشارت أيضا إلي الاصلاح المصرفي دخل الآن في مرحلة التحول للمصارف الرقمية والتي يتولى البنك المركزي حاليا بفحص وتدقيق بحدود 70طلبا لإجازة مصارف رقمية جديدة وفقا للضوابط والشروط الدقيقة التي يعتمدها البنك المركزي وهي تشكل انطلاقة حقيقية وواعدة للتطوير المصرفي التقني في العراق لسد الفجوة التقنية مع دول العالم في هذا المجال .مما يسهل تقديم الخدمات المصرفية الذكية ويقلل من فرص التحايل والفساد ويوفر بيانات مهمة عن طبيعة المعاملات والرقابة عليها والامتثال لذلك فان المصارف الرقمية هي مرحلة جديدة للتحول الرقمي والاصلاح المصرفي نأمل قيام البنك المركزي قريبا ببدء الخطوة الأولى بإجازة
المصارف الرقمية التي تظهر نتائج الفحص والتدقيق والدراسة انها ملتزمة بالضوابط والشروط النافذة
ولفتت الدراسة أن محافظ البنك المركزي أكد أن المستقبل للتحول الرقمي في العراق وان المرحلة الراهنة تشهد تطورا كبيرا في نظام الدفع الإلكتروني من خلال زيادة عدد الصرافات الآلية والتي تجاوزت 4000 صراف وعدد البطاقات الإلكترونية الصادرة اكثر من 17مليون بطاقة وعدد اجهزة pos بحدود 63000 جهاز وارتفع ايضا عدد المحافظ الائتمانية،
وأوضحت ارتفاع نسبة الشمول المالي الى %40 بعد ان كانت %20 قبل سنتين َوأن المصارف العراقية تشهد اليوم تحولات نوعية في عملياتها المصرفية خاصة، بما يتعلق بالمصارف المستقبلية التي ستتحول من كيانات تقليدية إلى منصات رقمية ذكية وتصدر هويات مالية رقمية تسهل المعاملات المالية بدون الحاجة إلى المصارف
وقالت أن النظام المالي والمصرفي، سيشهد انحسار العملات الورقية لتحل محلها المدفوعات الرقمية للبنوك المركزية، وان البنك المركزي يتحرك لأنشاء عملة رقمية خاصة به، لتحل تدريجيا محل العملية الورقية كما يجري في بعض البنوك المركزية في العالم، كذلك العمل على إنشاء مركز للبيانات في العراق على غرار المراكز الكبرى في العالم ، باعتبارها في الاقتصاد الرقمي اساسا للذكاء الاصطناعي والتطبيقات وتحليل البيانات الضخمة والأنترنيت ،وأن البنك المركزي العراقي بدأ خطوات واعدة في هذا الاتجاه
وذكرت الدراسة الآثار بعيدة المدى لاستقرار العراق الاقتصادي
تعزيز الحوكمة المالية: يقلل تقليل الاعتماد على النقد من مخاطر غسل الأموال والفساد، مما يخلق مساراً شفافًا للمعاملات ويعزز المساءلة عبر القطاعين العام والخاص.
زيادة المرونة الاقتصادية وإمكانية الاستثمار: من خلال تحديث نظامه المالي، يصبح العراق سوقاً أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب ويفتح الأبواب للتعاون مع شركات التكنولوجيا المالية العالمية.
دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة ومراكز الابتكار: تقلل الأنظمة غير النقدية من الحواجز التشغيلية للشركات الناشئة والصغيرة، مما يعزز ريادة الأعمال ويمكّن المواهب العراقية من الازدهار
التمهيد للتحول الثقافي من الدفع عن طريق النقد الى الدفع الالكتروني
وأوصت الدراسة ان الانتقال نحو المدفوعات الرقمية يتطلب تحولًا ثقافياً في عادات المواطنين في العراق، حيث ان المعاملات النقدية هي قاعدة التعامل المالي الاساسية لفترة طويلة. أظهرت التحولات المماثلة في دول مثل الهند أن هذا التغيير ليس تقنياً فقط؛ بل يتطلب تحولًا في سلوك الجمهور وثقتهم. ستعتمد رحلة العراق نحو تبني خدمات الدفع الالكتروني على رؤية واضحة من قادته وجهود متماسكة من المنظمين والشركات والمستهلكين على حد سواء.
يمثل تعديل الضوابط خطوة اساسية في رحلة العراق نحو بناء اقتصاد شامل مالياً وشفاف ومرن. مع قيادة البنك المركزي، ويتمتع العراق بموقع جيد لإنشاء اقتصاد رقمي قوي. سيتطلب الطريق إلى الأمام التزاماً جماعيًا من جميع أصحاب المصلحة لدفع التحول الرقمي في المجال المالي والتغلب على التحديات. إذا تبنى العراق هذه الفرصة بالكامل، فقد يصبح أنموذجاً للدمج بين السياسات الوطنية المدروسة والتعاون الدولي للتسريع من دخول البلد إلى العصر الرقمي، مما يفتح إمكانيات واسعة لسنوات قادمة
التعليقات مغلقة.