معرض «ألوان وحروف صيفية».. رفاهية الخط العربي وتجلياته الفنية
افتتح معالي محمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد، بحضور معالي عبدالرحمن بن محمد العويس وزير الصحة ووقاية المجتمع، معرض «ألوان وحروف صيفية»، مساء أول من أمس، بتنظيم من «بيات غاليري» في وافي مول بمدينة دبي، وبنحو 32 لوحة فنية تحتفي بالخط العربي والفن التشكيلي، ضمن المجموعة الخاصة لـ«بيات غاليري»، لنخبة من كبار الخطاطين والفنانين التشكيليين، من مختلف الدول العربية والإسلامية، ليشكل هذا المعرض انطلاقة جديدة للبرنامج الفني والثقافي لـ«بيات غاليري» السنوي لعام 2023، الذي حرص بشكل استثنائي على أن يقدم جماليات التفاصيل الزخرفية في الخط العربي، إلى جانب انسيابية عمق اللحظة اللونية في اللوحات المائية لمجموعة من الأعمال الفنية التي جسدت ملامح العمارة التقليدية لدولة الإمارات.
ولا يمكن التوقف بالقرب من الأعمال الزخرفية للفنان فريد هنزور، دونما التفكر في الهندسة الخطية والزخرفية بمعناها الاجتماعي والثقافي في المكون الحضاري للأمم، والتي بطبيعتها تقود الذائقة الجمالية والإنسانية إلى إدراك القيمة الإبداعية من العلاقة الممتدة بين اللغة بوصفها الخطوط المتصلة المُحدثة للمعنى، وبين الجمال في كيفيته اللافتة من تحريك تلك الخطوط وتحويلها إلى أشكال ذات دلالة بديعة ومتسلسلة في الفراغ الشاسع، وكأنها امتدادات متتالية في الروح، تتباهى بعفوية ساحريتها الخالصة عندما يعمد الخطاط لجعلها تتجاوز نفسها من خلال تعبيرها البصري.
وصف رهيف
وعندما يرى المشاهد عملاً للخطاط بزار الأربيلي، في إحدى اللوحات المشاركة بالمعرض، يجد حرف «السين» في الآية القرآنية الكريمة: «سيجعل الله بعد عسر يسراً»، مرتحلاً في خط جمالي مائل وممدود برحابة في «سيجعل»، وكأنه وصف رهيف للرحمة الواسعة، من خلال إعطاء الأمور وقتاً زمنياً وإيقاعاً حركياً، تتعاظم فيه قوة السكون في المصاعب، وبذلك فهي ترسم طريقاً للتيسير والانفراج، ومنه تهدي الساعي نحوها أخيراً وجهةً للوصول والقبول بكل ما هو آتٍ. كما زخرف الفنان محمد نباتي مجموعة من أبرز اللوحات الخطية في معرض «ألوان وحروف صيفية»، وذلك بتكليف من «بيات غاليري»، إيماناً بأثر رفاهية اللوحة في إثراء تجلياتها اللامتناهية نحو تهذيب النفس، والارتقاء بالروح، إلى جانب التأكيد على مبدأ التعاونات الفنية، ودور الغاليرهات والمجتمع الثقافي من مقتنين وخطاطين وفنانين في تعزيز مكانة الخط العربي والفن التشكيلي، بالسعي إلى إتاحة نقاشات وحوارات فكرية من شأنها أن تطور مسيرة اللوحة الخطية فنياً، وذلك عبر تواصلها الحيّ والمباشر مع الحيوات المجتمعية اليومية، أيّ أن تكون حاضرة بوصفها انعكاساً لوَضاءة الأدبيات والبلاغة العربية. ومن بين تلك الأعمال الخطية التي شهدت عرساً زخرفياً، لوحة بخط الثلث الجلي للخطاط منيب إبراهيم أوبرافيتش، وقد تضمن النص رفعة أنيقة لحرف «العين»: «لئن غبت عن عيني ما غبت عن قلبي»، حيث تنتهي الجملة في قمتها السمائية بحرف القاف، ليعلن فيها الألف أرجحية القلب في التسليم والحضور الدائم.
تأملات بصرية
وجاءت بعض الأعمال التشكيلية، المشاركة في معرض «ألوان وحروف صيفية»، أكثر التحاماً مع الواقع المعيش، وأقرب لصور تحمل انطباعات الفنان للمكان وجغرافيته الفريده، ومن بينها لوحة «باب تراثي لقلعة أثرية من مدينة العين»، للفنان ألكسندر كروسويل، ولوحة يظهر فيها «خور دبي»، للفنان سبنسر تارت. وجميعها اتسقت في الفضاء العام مع لوحات الخط العربي، واتسمت ببعديها في قراءة مشهدية العلاقة للفنانين القادمين إلى دولة الإمارات، ممن يبحثون في تعميق التأملات البصرية، من خلال بيان تعابير أُناس المكان وكيفية استخدامهم للمحيط ومفرداته، وتحويله إلى فنيات يتعايشون معها، باعتبارها بديهيات ضرورية، ولكنها في السيرورة الحضارية، تمثل فناً بذاته، يتطلب توثيقاً حسياً وتكاملاً نوعياً مع ما تعنيه في وجدان المجتمع المحلي.
التعليقات مغلقة.