مسارات النزاع السوداني .. التأثيرات والمآلات على الاستقرار الاقتصادي لمصر وشمال إفريقيا
استطلاع خاص لـ" مجلة استثمارات الإماراتية"
إجرى الاستطلاع / رباب سعيد مراسلة “مجلة استثمارات الإماراتية” لشؤون مصر وشمال إفريقيا
أبوظبي – دبي – القاهرة
مع تصاعد النزاعات في السودان بوتيرة متسارعة، باتت تؤثر على جميع المناحي الاقتصادية بالبلاد، وتلقي بظلالها بالتبعية على الاقتصادات المتعاونة المجاورة ومن بينها الجارة الشمالية مصر.
فهناك تبادل تجاري بين البلدين، بل وتعتمد القاهرة بشكل رئيسي على الخرطوم في استيرادها للحوم الحمراء، فضلا عن المشروعات الاستثمارية القائمة لكلا الجانبين -سواء حكومية أو خاصة- والمشروعات التي كانت في طور التدشين.
كما يوجد ملايين السودانيين بمصر، ومن المتوقع زيادة الأعداد مع استمرار الاضطرابات في السودان، وتؤكد منظمات دولية مساهمة المهاجرين في تنمية الاقتصاد المصري رغم بعض الأصوات المتخوفة من الضغط على البنية التحتية وتقلص فرص العمل بسبب الوافدين واللاجئين
ومع عدم وجود مؤشرات مطمئنة لانتهاء هذا الصراع في وقت قريب، يبرز التساؤل حول سير الأوضاع في الشقيقة السودانية ومدى تأثيرها على الاقتصاد.
بارقة أمل
يقول وليد القدال مدير المركز الدبلوماسي بالسودان ونائب رئيس تحرير مجلة هيومان ل” مجلة استثمارات الإماراتية” عن الأوضاع هناك أن النزاع مستمر إلى وقت كتابة هذه السطور و لم توجد أى مؤشرات أو اتفاقيات لوقف إطلاق النار ولا توجد سور قوى متحركه تعمل على ضبط الأوضاع بين هنا وهناك مكونة من مختلف المكونات السياسية والقيادات المجتمعية وتعتبر هى القوى الوحيدة والتي توجد حاليا بالقاهرة من أجل إنهاء هذه الحرب ووقف القتال ….ويؤكد القدال علي عدم استمرار هذه النزاعات لنهاية العام فهناك اخبار تشير إلى اجتماع يجمع القوى العسكرية والسياسية وقوات من المجتمع المدني بجانب قوى دولية في 25من أغسطس الجاري لوقف إطلاق النار والنزاع الدائر وإيجاد حلول من أجل السودان
ويشير مدير المركز الدبلوماسي إلى أن نصف سكان السودان يعانون من نقص في الغذاء والدواء بالإضافة إلى الأزمة الصحية والتى أصابت الكثيرون بسبب الأماكن الغير صالحة
التبادل التجاري بين السودان ومصر
وفى المقابل تشير بيانات الهيئة المصرية العامة للاستعلامات إلى أن الأرباح من التبادل التجاري بين القاهرة والخرطوم ليست ضخمة، لكنها شهدت تزايداً ملحوظاً الأعوام الأخيرة مما يبشر بزيادة الأرباح في المستقبل.
وبحسب النشرة السنوية للتبادل التجاري بين مصر ودول حوض النيل العام 2021 -والصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر في نوفمبر 2022- احتلت السودان المرتبة الأولى.
حيث صدرت القاهرة للخرطوم منتجات ومواد خام بقيمة 826.8 مليون دولار عام 2021 مقابل نحو 500 مليون عام 2020 بزيادة قدرها 65%، واحتلت المنتجات الكيميائية البلاستيكية المرتبة الأولى في المنتجات التي استوردتها السودان من جارتها الشمالية ب 271 مليونا، ثم اللدائن ومصنوعاتها بقيمة 137.4 مليونا، وتلتها المنتجات المعدنية بـ 67 مليونا ومنتجات الغزل 56 مليونا.
في المقابل، بلغت صادرات الخرطوم للقاهرة نحو 336.7 مليون دولار عام 2021 مقابل 225 مليونا عام 2020 بزيادة قدرها 49.7%، وجاءت الحيوانات الحية واللحوم والأطراف القابلة للأكل على رأس الصادرات بقيمة 217 مليونا، ثم الأعلاف والحبوب والنباتات الطبية بقيمة 70 مليونا، وفي المرتبة الثالثة جاء القطن بقيمة 43 مليونا.
التبادل التجاري المصري السوداني
ومن جانبه يتوقع الدكتور يسري الشرقاوي رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة ومستشار الاستثمار الدولى والخبير في التنمية الاقتصادية أن يهدد النزاع الدائر في السودان حركة التجارة بين البلدين، بما في ذلك تجارة الترانزيت.وبيّن -في حديثه ل “مجلة استثمارات الإماراتية” أن كل الصادرات التي تذهب من مصر إلى أفريقيا عبر السودان، سواء دول حوض النيل أو غيرها مثل الصومال وتشاد، ستتأثر سلبا جراء الأحداث الجارية. منوهاً لبلوغ حجم التبادل التجاري بين مصر ودول حوض النيل عام 2021 نحو 2.262 مليار دولار، وفق البيانات الرسمية
واضاف الدكتور يسري الشرقاوي، أن الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع وقع في وقت حرج، حيث ترتفع أسعار السلع والمحاصيل الزراعية والغذائية وكان يفترض أن يثمر التعاون بين البلدين عن حل جانب كبير من تلك المشكلة.
واستطرد “رغم أن إجمالي حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان ليس كبيرا حيث لا يمثل أكثر من 1% من إجمالي تجارة مصر مع العالم، فإن ذلك لا ينفي الأهمية الاقتصادية للبلدين كليهما للآخر”.
مشروعات واستثمارات
أما على صعيد الاستثمارات المشتركة، فقد وصل عدد المشروعات المصرية بالسودان منذ عام 2000 حتى 2013 حوالي 229 مشروعا برأس مال بلغ حوالي 10.8 مليارات دولار، بينما بلغ حجم الاستثمارات السودانية في مصر خلال الفترة نفسها نحو 97 مليون دولار ممثلا في 315 شركة سودانية
وتنوع الاستثمار المصري بالسودان بين القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية، ومنها 122 مشروعا صناعيا باستثمارات 1.372 مليار دولار، و90 مشروعا خدميا استثماراتها 8.629 مليارات دولار بقطاعات المقاولات، إلى جانب 17 مشروعا زراعيا باستثمارات 89 مليون دولار.
وشهدت السنوات الأخيرة اهتماما من قبل الجانبين المصري والسوداني بتنمية التعاون الاقتصادي المشترك من خلال عدة مشروعات منها ميناء قسطل-أشكيت البري، وهو حسب الهيئة العامة للاستعلامات (جهة رسمية مصرية) أهم بوابة مصرية تطل على أفريقيا حيث يسهم في إحداث نقلة كبيرة بحركة التجارة والاستثمار بين مصر من جانب والسودان والقارة الأفريقية من جانب آخر.
وفي أبريل من عام 2020 بدأ التشغيل الفعلي لخط الربط الكهربائي بين مصر والسودان، ويبلغ طوله بالجانب المصري حوالي 100 كيلو متر، وبالجانب السوداني حوالي 70 كيلو مترا، بقدرات على مدار الساعة تصل إلى 80 ميجاوات. وأواخر السنة الماضية تحدث مسؤولون مصريون عن قرب انتهاء المرحلة الثانية من المشروع والتي تستهدف زيادة القدرات إلى 300 ميجاوات.
ومع كثرة المشروعات المنفذة والمخطط لتنفيذها بالسودان، يظهر التخوف حول مصير تلك الاستثمارات في ظل الاشتباكات الدائرة بين طرفي الصراع بالسودان، وهو ما أكدته الدكتورة نورهان الشيخ استاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وعضو الجمعية العربية للعلوم السياسية إن كثيرا من الأنشطة الاقتصادية بالسودان ستتوقف جراء الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتوقعت أن تكون مصر خلال الفترة المقبلة وجهة المستثمرين السودانيين في ظل عدم استقرار الأوضاع ببلدهم.
وإلى خروج ما يفوق 25 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة منها، لافته إلى اهتمام دول العالم بقضايا جذب الاستثمارات الأجنبية الت خرجت من مواقع النزاع، وهو ما يعرف في العلوم الاقتصادية بسبل الاستفادة من تداعيات أزمات الغير.
اقتصاد المهاجرين
وقالت الدكتورة نورهان الشيخ يوجد في مصر 9 ملايين مهاجر لاجئ أي ما يعادل 8.6% من سكان البلاد البالغ عددهم 104.8 ملايين نسمة، ويشكل السودانيون غالبية المهاجرين لمصر حيث يصل عددهم أكثر من 4 ملايين، ومن المتوقع أن تتزايد هذه الأعداد في ظل تصاعد الصراع في وطنهم.
التعليقات مغلقة.