«مدينة مصدر»وجهة لتأسيس الأعمال في أكثر مدن العالم استدامة
أسهمت العولمة والتوسع الحضري في تسريع وتيرة تزايد التعداد السكاني العالمي، ما يفرض تبعات سلبية كبيرة على البيئة، ويضاعف حجم الضغط على الموارد، ولمواكبة هذا النمو السكاني بالتوازي مع الحرص على صون الموارد الطبيعية، ينبغي على المدن التكيف مع تبني أساليب حياة مستدامة. ولضمان قدرة المدن على مواجهة تحديات المناخ والتنمية المستدامة، توجد الحاجة إلى بناء مجتمعات حيوية تتضافر فيها الجهود وتدعم الاستدامة والابتكار، مجتمعات تركز على البحث والتطوير في مجالات التكنولوجيا والابتكار من أجل توفير حلول مستدامة، تسهم في رسم معالم مستقبل أفضل.
تتبنى «مدينة مصدر» هذا التوجه منذ أكثر من عقد من الزمن، لتمثل إحدى المدن الأكثر استدامة في العالم، وتحتضن المجمع الوحيد المعتمد والمتخصص في أنشطة البحث والتطوير بأبوظبي، لتمثل وجهة رائدة في دعم أنشطة البحث والتطوير في المجالات المتعلقة بالاستدامة. تضم المدينة أكثر من 900 شركة متخصصة في تطوير تقنيات مبتكرة، تخدم قطاعات الطاقة المتجددة وتخزين الطاقة والذكاء الاصطناعي والصحة والفضاء والتنقل.
توفر «مصدر» منظومة حيوية تجمع بين التعليم، والبحث والتطوير، والابتكار، وتطوير التكنولوجيا، وتمثل منصة استراتيجية فريدة تتيح للشركات اختبار التقنيات الجديدة وبناء شراكات محلية ودولية، وأن تكون في مقدمة جهود الابتكار الساعية إلى توفير أنماط معيشة حضرية أكثر استدامة.
مركز عالمي
وتعد المدينة مركزاً عالمياً للتكنولوجيا والابتكار ومجتمعاً مستداماً رائداً في العاصمة الإماراتية أبوظبي، كما تمثل «مصدر» مجتمعاً حيوياً عالمي المستوى يجمع بين التعليم وأنشطة البحث والتطوير والابتكار من أجل توفير منظومة فريدة تسهم في إيجاد نمط حياة جديد، وبناء مستقبل أكثر استدامة للجميع.
كما تحتضن «مدينة مصدر» المجمع الوحيد المعتمد والمتخصص في أنشطة البحث والتطوير بأبوظبي، وقد أطلقت واستضافت على مدى أكثر من عقد من الزمن العديد من المبادرات في مجال البحث والتطوير ومشاريع تجريبية مبتكرة في مجالات متعددة تشمل الصحة والتنقل والنقل والطاقة المتجددة والمجتمعات المستدامة. وقد كانت «محطة الطاقة الشمسية الكهروضوئية» بقدرة 10 ميجاواط عند تدشينها عام 2009 في «مدينة مصدر» أكبر مشروع للطاقة الشمسية من نوعه في المنطقة. ويشكل «مركز مصدر للطاقة الشمسية» منصة متقدمة تحظى بسمعة عالمية؛ من حيث التفوق في أنشطة البحث والاختبار وتطوير تقنيات الطاقة الحرارية الشمسية والكهروضوئية.
نظام متكامل
ويعد النظام المتكامل للطاقة والزرعة بمياه البحر مشروعاً بارزاً قام بتطويره «اتحاد أبحاث الطاقة الحيوية المستدامة» (SBRC)، المؤسسة غير الربحية التي أنشأها «معهد مصدر» الذي أصبح لاحقاً جزءاً من جامعة خليفة، بالتعاون مع «الاتحاد للطيران»، و«بوينج»، و«هانيويل يو أو بي»، ولاحقاً «أدنوك». ويدعم المشروع تطوير وقود حيوي لقطاع الطيران في منطقة الشرق الأوسط، وتعزيز الأمن الغذائي من خلال زراعة نباتات ملحية وريها من المياه العادمة المستخدمة في مزرعة سمكية.
وتضم المدينة «مركز حلول تخزين الطاقة الكهربائية» لإجراء بحوث واختبارات على تقنيات متقدمة لتخزين الطاقة الكهربائية، وكذلك مشروع فيلا «مصدر» المستدامة التي تم استكمالها في عام 2017، وهو مشروع تجريبي يعتمد على طاقة خالية من الانبعاثات الكربونية بالكامل، ومزود بتقنيات وتصاميم تحد بشكل كبير من التأثير السلبي على البيئة.
وتستند استراتيجية التنقل في «مدينة مصدر» إلى تسلسل هرمي يضع المشاة أولاً، ويشدد على أهمية اعتماد شبكة نقل مستدامة، تتضمن خدمات مواصلات عامة تعمل بالطاقة النظيفة، وتشمل في نهاية المطاف المركبات الشخصية. وكجزء من هذه الاستراتيجية ولتحقيق هذا التوجه، قامت «مصدر» بتوظيف العديد من التقنيات ضمن مشاريع تجارية وتجريبية على حد سواء، والتي تشمل إطلاق مركبة «نافيا» ذاتية القيادة الأولى من نوعها في المنطقة وأول حافلة مستدامة في المنطقة، ونظام النقل الشخصي السريع الأول من نوعه على مستوى العالم والذي نقل أكثر من مليوني راكب حتى الآن.
وقد قامت «مصدر» وشركة مزارع «مدار» التي تعمل في مجال التقنيات الزراعية في دولة الإمارات، بتركيب حاوية مائية في «مصدر بارك» لزراعة النباتات الورقية؛ حيث تهدف المزرعة المائية الصغيرة إلى زراعة أكثر من 30 صنفاً من الأعشاب والخس على مدار السنة. ومن خلال هذا التعاون مع شركة مزارع «مدار»، تدعم مدينة مصدر جهود تعزيز الأمن الغذائي والزراعة الأكثر استدامة.
كما تعمل «مصدر» بالتعاون مع شركة «بترول أبوظبي الوطنية» (أدنوك) و«اير ليكيد» و«الفطيم للسيارات» التي توزع سيارات «تويوتا»، على استكشاف إمكانية تطوير حلول تنقل تعتمد على الوقود الهيدروجيني. وتشمل الشراكة تركيب محطة وقود هيدروجين تعمل بالطاقة الشمسية في «مدينة مصدر» لتشغيل أسطول يضم نحو 20 مركبة «تويوتا» ميراي العاملة بخلايا وقود الهيدروجين على مدى ثلاثة أعوام.
وتحتضن «مدينة مصدر» حالياً «مركز هانيويل للابتكار»، وهو مركز للابتكار وتبادل المعارف ودعم عملية التحول الرقمي في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات والبنية التحتية. وتقوم شركة «سان غوبان» بتطوير أول منزل متعدد وسائل الراحة في منطقة الشرق الأوسط ضمن مدينة مصدر. ويعد المنزل واحداً من بين 30 مشروعاً مشابهاً تنتشر حول العالم وهو الأول في منطقة ذات مناخ حار.
أما «أزيليو» فهو مشروع لاختبار تقنيات مبتكرة في مجال تخزين الطاقة الشمسية. ويركز المشروع على التقاط الطاقة الحرارية الشمسية وتخزينها بشكل فعّال من أجل تحويلها لاحقاً إلى كهرباء، ويهدف المشروع إلى تمكين القطاعات والمجتمعات حول العالم من تبني توجهات أكثر استدامة في المستقبل.
وتعمل شركة «سيراميك» ضمن إطار «وحدة دعم الابتكار التكنولوجي»، وتتبنى نهجاً يقوم على إعادة تدوير النفايات لتمثل نموذجاً جديداً للاقتصاد الدائري، يمكن الاستفادة منه في قطاع الصناعات الثقيلة؛ حيث تقوم بتطوير حلول جاهزة تساعد في استخدام النفايات الصناعية، للحصول على منتجات سيراميك ذات قيمة مضافة.
بينما تعمل شركة «دي ال آرتا» ضمن إطار «وحدة دعم الابتكار التكنولوجي»، وتعتمد على علم يعود تاريخه إلى 10 آلاف عام. يركز مختبر «دي ال آرتا» الحيوي الخارجي على إنتاج عناصر أساسية لمنتجات العناية بالبشرة من خلال الاستفادة من موارد الصحراء وفق أساليب مستدامة، وتعمل شركة «دي إل آرتا» على إعادة تجديد واستخدام الموارد الطبيعية من خلال اعتماد نهج الاقتصاد الدائري، وقد أطلقت الشركة مختبرها الحيوي الخارجي الذي يركز على استخدام نبتة «الهرم القطري» التي تنمو في صحراء دولة الإمارات. وقد تقدم مؤسسو الشركة بطلب براءة اختراع من خلال «جامعة خليفة» في أبوظبي.
وكذلك تعمل شركة «فولتز» لتخزين الطاقة ضمن إطار «وحدة دعم الابتكار التكنولوجي»، وتصنع حلولاً لتخزين الطاقة الكهربائية الحديثة. ويمثل نظام «فولتز» الذكي لإدارة البطاريات حلاً متكاملاً يعتمد على تكنولوجيا الليثيوم الحديثة.
شركات مبتكرة
وتحتضن «مدينة مصدر» مقرات لعدد من أهم المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية التي تلتزم بدعم تحقيق أجندة الاستدامة، وتعمل لأن تكون في مقدمة جهود الابتكار من أجل بناء مجتمعات أكثر استدامة ومراعاة للبيئة، وتشمل مقرات «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة» (آيرينا)، و«وكالة الإمارات للفضاء»، و«مؤسسة الإمارات للطاقة النووية»، وشركات مثل «سيمنز»، و«سان غوبان»، و«تبريد»، و«هانيويل»، وG42 للرعاية الصحية، إضافة إلى شركة «أبوظبي لطاقة المستقبل» (مصدر) التي تتخذ من المدينة مقراً لها.
وبهدف تحفيز وتشجيع ريادة الأعمال، تم في عام 2019 إعادة إطلاق «وحدة دعم الابتكار التكنولوجي» ضمن «مدينة مصدر»، والتي تعد أول مركز لدعم نمو الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا النظيفة والاستدامة بالمنطقة. وتساعد هذه المبادرة المشتركة بين «مصدر» وشركة «النفط والغاز العالمية» (بي بي) الشركات الناشئة على تسريع نمو أعمالها من خلال تزويدها بما تحتاج إليه من التمويل والتدريب والتوجيه، لتسهم الوحدة في تعزيز ريادة الأعمال وجهود الابتكار ضمن المدينة.
وتضم «مصدر» الحرم الجامعي ل«جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي»، أول جامعة دراسات عليا متخصصة في بحوث الذكاء الاصطناعي في العالم. وتوفر الجامعة للطلبة المحليين والدوليين برامج دراسات في مجال الذكاء الاصطناعي.
وتتاح للمستأجرين في «مدينة مصدر» فرصة المشاركة والاطلاع على مختلف فعاليات أسبوع أبوظبي للاستدامة، المنصة العالمية التي تسهم في تسريع وتيرة التنمية المستدامة في العالم وتجمع مزيجاً فريداً من صنّاع السياسات وخبراء القطاعات ورواد التكنولوجيا والجيل القادم من رواد الاستدامة. وبإمكان المستأجرين ضمن المدينة استعراض مختلف منتجاتهم من خلال هذه المنصة أمام رواد الأعمال وصنّاع القرار فضلاً عن فرصة التواصل وبناء علاقات عمل مع شركات من مختلف أنحاء العالم.
ممارسة الأعمال
تشكّل المنطقة الحرة في «مدينة مصدر» منصّة لتمكين الأعمال وقاعدة استراتيجية يمكن للشركات من خلالها بناء شبكتها محلياً وعالمياً، واستكشاف فرص استثمارية متعددة، واختبار تقنيات جديدة. وتدير أكثر من 900 شركة من ست قارات أعمالها من «مدينة مصدر»؛ وتشمل هذه الشركات «سيمنز» و«هانيويل» و«لوكهيد مارتن» و«جي 42» للرعاية الصحية و«معهد الابتكار التكنولوجي»، وكذلك شركات إقليمية مثل«تبريد» و«وكالة الإمارات للفضاء»، و«مؤسسة الإمارات للطاقة النووية»، إضافة إلى عدد من الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة.
وتستضيف «مدينة مصدر» أيضاً المقر الرئيسي ل«الوكالة الدولية للطاقة المتجددة» (آيرينا)، أول منظمة حكومية دولية يقع مقرها في منطقة الشرق الأوسط، كما تواصل المدينة استقطاب المستأجرين الجدد فضلاً عن كوادر «الاتحاد للطيران».
حاضنة للشركات
تعد المنطقة الحرة في «مصدر» وجهة مثالية لتأسيس الأعمال التجارية أو تطويرها أو توسيع نطاقها، وتمثل المنطقة الحرة في المدينة مركزاً رئيسياً لابتكارات وحلول التكنولوجيا عبر مجموعة واسعة من القطاعات. كما تتيح النافذة الموحدة للخدمات التابعة للمنطقة الحرة فيها سهولة الوصول إلى مجموعة من خدمات الأعمال الحيوية والتي تشمل تسجيل الشركات والمعاملات الحكومية والتأشيرات.
إضافة إلى ذلك، تشمل مزايا المنطقة الحرة في «مدينة مصدر»، الملكية الأجنبية بنسبة 100%، والإعفاء التام من رسوم الاستيراد، والترخيص المزدوج، وسرعة تأسيس الأعمال، التقليل من الضرائب، وتكاليف مخفّضة للتراخيص ولاستئجار المساحات المكتبية، وبيئة داعمة للأعمال.
إقامة طويلة الأمد
وتوفر المنطقة الحرة في «مصدر» بيئة تشجّع على الابتكار وتربط المعرفة بالبحث، والأعمال التجارية بفرص الاستثمار، إضافة إلى ذلك، فإن الأفراد الذين يعملون لدى الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات متعددة الجنسيات ضمن مجموعة واسعة من القطاعات، يمكنهم التقدم للحصول على تأشيرة الإقامة الذهبية لمدة 10 سنوات، وفق معايير حكومية محددة، عندما ينتقلون للعمل في المدينة.
وفي عام 2020 تمت إضافة فئات جديدة مؤهلة للحصول على الإقامة الذهبية في دولة الإمارات لمدة 10 سنوات؛ حيث يتوفر الآن خيار تأشيرة إقامة طويلة الأمد لغير الإماراتيين وأسرهم، من أصحاب عدد من التخصصات المهنية المحددة، وتشمل الفئات المؤهلة للحصول على هذه التأشيرة، العلماء والمخترعين وحاملي درجات الدكتوراه، والأطباء، إلى جانب عدد من أصحاب التخصصات الهندسية، والحاصلين على شهادات تخصصية في الذكاء الاصطناعي أو البيانات الضخمة أو علم الأوبئة والفيروسات، والمبدعين في مجالات الثقافة والفنون.
ويتوفر خيار الإقامة الذهبية لمدة 10 سنوات للمستثمرين الأجانب والمهنيين الذين يمتلكون المعايير التي حددتها الحكومة الإماراتية. وإضافة إلى الحصول على هذه الإقامة، ستستفيد الشركات المرخّصة لدى المنطقة الحرة في «مدينة مصدر»، من وجودها ضمن مجتمع أعمال فريد وقاعدة استراتيجية يمكن من خلالها بناء شبكتها محلياً وعالمياً، واستكشاف فرص استثمارية متعددة، واختبار تقنيات جديدة.
المجتمع
تعد «مدينة مصدر» وجهة فريدة تمنح الزوار والمقيمين بيئة مثالية للعيش والعمل والتعلم وممارسة الأنشطة الترفيهية والانتماء إلى مجتمع استثنائي، وتبرهن على أن الحلول البيئية المبتكرة لا تعمل فقط على تسهيل ممارسة أنشطة حياتنا اليومية؛ بل إنها تسهم في تحسينها أيضاً. وتحتضن المدينة العديد من المتنزهات ومناطق الترفيه؛ حيث يمكن للأصدقاء والعائلات الاستمتاع بممارسة أنشطتهم في الهواء الطلق. كما تعد موطناً لمجتمع متنامٍ وتستضيف مجموعة من الفعاليات المتنوعة والمهمة، ويعيش في المدينة حالياً أكثر من 2500 شخص.
ويتزايد أيضاً عدد العاملين في المدينة؛ إذ من المنتظر أن يرتفع العدد من نحو 5000 شخص حالياً إلى ما يقرب من 10000 بحلول عام 2023. كما أن هناك أكثر من 450 ألف متر مربع من المباني المكتملة مؤجرة ومشغولة بالكامل. وهناك خطط تطوير ثابتة ل 300 ألف متر مربع أخرى من المشاريع في «مدينة مصدر»، وتشمل هذه المشاريع مدارس ومكاتب وفنادق ومحال تجارية ومطاعم ومنازل خاصة.
التعليقات مغلقة.