قيام الليل وإحياء العشرِ الأواخر
قيام الليل وإحياء العشرِ الأواخر
حثّ القرآن الكريم على قيام الليل وهو من الأعمال الفاضلة التي واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها، ولما كانت التقوى مقصد الصائمين، فقد وصف الله عز وجل المتقين بأنهم (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ …)، «سورة السجدة: الآية 16»، قيام الليل صفة أهل التقوى تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، كما إن قيام رمضان يُكَفِّر ما تقدم من الذنوب، وعلى كل مسلم ضرورة الحرص على إحياء العشر الأواخر من رمضان.
ولعظم هذه العبادة يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، «سورة الذاريات: الآيات 15 – 18».
وعن بلال رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قَيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إَلَى اللهِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ للِسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الجَسَدِ»، (سنن الترمذي، 3549).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، (الموطأ، 112)، وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله»، (صحيح البخاري، 2024).
وعنها رضي الله عنها أيضاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»، (صحيح البخاري، 2017).
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم قيام الليل هو الطريق إلى المراتب العليا في جنات النعيم، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على إشراك الأسرة في ذلك الميدان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ، نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجَهِهِ الْمَاءَ»، (سنن أبي داود، 1308).
وفي رمضان جعل النبي صلى الله عليه وسلم القيام بصلاة التراويح من أسباب المغفرة الشاملة، والتطهر من الذنوب. ولما كان قد مضى من رمضان أكثره، فقد جعل الله سبحانه العشر الأواخر مناسبة لاستدراك ما فات، ففيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، فيشد مئزره لإحياء ليليها، ويوقظ أهله للقيام فيها.
فلنحرص على فضيلة قيام الليل في هذا الشهر الفضيل، وخاصة في العشر الأواخر منه، ولنحافظ على صلاتي العشاء والفجر في جماعة، فإنه من فضل الله سبحانه أن جعل فضيلة قيام الليل تتحقق بصلاتي العشاء والفجر في جماعة لمن تعذر عليه القيام، أو تثاقل عنه، فعن عثمان بن عفان رضي الله عن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَلَّى الْعِشاَءِ فِي جَمَاعِةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ»، (صحيح مسلم، 260).
التهجد والتماس ليلة القدر:
وإذا كان شهر رمضان على عمومه قد فضّله الله تعالى على بقية الشهور، فإنّ أفضل أيام هذا الشهر هي أيام العشر الأواخر من رمضان، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصُّ العشر الأواخر من رمضان بمزيد من العبادة، ويضاعف فيها الأعمال الصالحة، ويجتهد فيها بأنواع من القرب والطاعات، فعن السيدة عائشة -رضي الله عنها-: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» ، وكان صلى الله عليه وسلم يحيي فيها الليل، ويوقظ أهله للصلاة والذكر، حرصاً على اغتنامها بما هي جديرة به من العبادة، فعن أم المؤمنين عائشة _رضي الله عنها- قالت: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» .
فلا ينبغي للمسلم أن يفوّت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله، فما هي إلا ليالٍ معدودة ربما يُدرك الإنسان فيها نفحة من نفحات الله تعالى، فتكون سبباً في سعادته في الدنيا والآخرة.
وأهم ما يُطلب من المسلم في هذه الأيام: إحياء هذه الليالي المباركة بالصلاة والذكر وقراءة القرآن وسائر القربات والطاعات، وقد جرت السُّنة أن يلتمس المؤمنون ليلة القدر في هذا العشر، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في الأوتار من العشر الأواخر من رمضان، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» ، وسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم، عما تقوله في ليلة القدر، فقال: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» .
وقد بلغ من عظيم شأن ليلة القدر أن ثواب العبادة فيها خير من ألف شهر، قال الله تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن قيامها إيماناً بثوابها، واحتساباً لأجرها سبب لغفران الذنوب، فقال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» .
ونخلص من ذلك إلى أن العشر الأواخر من رمضان من أفضل الأيام عند الله تعالى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على اغتنام بالقيام وذكر الله… ومن أعظم فضائل العشر ليلة القدر التي يفوق أجرها ألف شهر، فحري بالمسلم أن يجتهد في طلبها وتلمس فضلها.
التعليقات مغلقة.