فيروس كورونا: العلاج بالبلازما من مرض كوفيد-19 يشهد إقبالا كبيرا في الهند
بدأ الأمر عندما اشتكي والد زوجة السيد أوديتيا مال من ضيق في التنفس، في منتصف إحدى ليالي مايو الماضي.
وفحص طبيب الأسرة المريض، وأوصى بالانتظار لعدة ساعات حتى تستقر حالته. لكن في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، تراجعت نسبة الأكسجين في دمه، ما دفع الأسرة إلى نقله إلى المستشفى في دلهي بعد أن أُضيف إلى الأعراض التي يعاني منها ارتفاع حاد في درجة الحرارة.
واستمرت حالة المريض في التدهور بعد دخوله المستشفى، فطلب الأطباء الإذن من أسرته لحقنه ببلازما الدم المأخوذ من المتعافين من فيروس كورونا، وهي إحدى الطرق العلاجية التجريبية المتبعة في التعامل مع الوباء في الهند.
ويحتاج العلاج ببلازما دماء المتعافين من كوفيد-19 إلى إذن من أسرة المريض.
وعندما يُصاب الناس بكوفيد-19 وغيره من الأمراض الفيروسية، يستجيب الجهاز المناعي بإنتاج أجسام مضادة تهاجم الفيروس. وبمرور الوقت، تتزايد الأجسام المضادة فيما يعرف بالبلازما، وهي المكون السائل للدم.
والعلاج ببلازما الدم ليس جديدا، إذ مُنح المتخصص الألماني في علم وظائف الأعضاء إيميل فون بيهرنغ جائزة نوبل عام 1901 لاستخدامه بلازما دم المتعافين في علاج مرض الدفتريا، كما استخدم هذا الأسلوب العلاجي في مكافحة مرض الإنفلونزا الإسبانية عام 1918.
وبالفعل، أذنت أسرة المريض للأطباء باستخدام بلازما المتعافين في علاجه من كوفيد-19، لكن المستشفى لم تجد متبرعا، وطلبت من الأسرة العثور على أحد المتبرعين من المتعافين من المرض.
وقال أوديتيا مال: “لم نكن نعرف من أين نبدأ، اتصلنا بكل من نعرفهم، ونشرنا استغاثة على مواقع التواصل الاجتماعي”.
وأخيرا، عثرت الأسرة على متبرع من المتعافين من كوفيد-19، لكن الوباء تركه في حالة نفسية وبدنية سيئة. وقد عانت أسرة مال كثيرا أثناء البحث عن متبرع، إذ أن أغلب المتعافين من الفيروس لا يمليون إلى العودة إلى المستشفى مرة أخرى للتبرع بالبلازما.
واتسعت الفجوة إلى حدٍ كبير بين الطلب على بلازما دم المتعافين، والمتوافر منها، بعد حوالي شهرين من هذه القصة. وطالبت عدة ولايات هندية المستشفيات بالمشاركة في التجارب السريرية، لكن بعض المستشفيات كان متحمسا بصورة أكبر.
فلم تكتف ولايتا دلهي وماهاراشترا – وهما أكثر ولايتين في الهند تضررا من فيروس كورونا – بدعم هذا النوع من العلاج، لكنهما أنشأتا أيضا بنوكا لبلازما الدم.
كما يصف الأطباء هذه الطريقة العلاجية لحالات يعاني أصحابها من أعراض بسيطة للفيروس، عندما لا يظهرون تحسنا بعد استخدام علاجات أخرى.
وتُجرى عشرات الدراسات حول هذا النوع من العلاج. لكن خبراء يؤكدون أنه ليس حلا سحريا. كما لم يرفض أي من الأطباء حول العالم هذه الطريقة العلاجية، لكنهم يرون أن النتائج الأولية لهذه الدراسات ليست حاسمة.
وقال شهيد جميل، أستاذ الفيروسات في مركز للدراسات في دلهي، إن الأمر يتطلب وقتا طويلا حتى نحصل على نتائج حاسمة تؤكد أو تنفي إمكانية اعتماد هذا النوع من العلاج.
وأضاف: “هذه الدراسات تحتاج إلى تجارب سريرية ممتدة ومجموعة متنوعة من الناس علاوة على الحاجة إلى مزيد من الوقت لتقييم هذه النتائج”.
وأجرت الصين واحدة من أوائل تلك الدراسات، والتي أظهرت تحسنا سريريا إيجابيا. لكن هذه الدراسة أشارت إلى أن المرضى الذين تعافوا كانوا يتلقون علاجا بطرق أخرى، إلى جانب بلازما دم المتعافين.
وقال أنطوني جوردون، رئيس قسم الحالات الحرجة في كلية الطب الملكية في لندن، وهو أيضا رئيس الفريق المسؤول عن التجارب السريرية للعلاج ببلازما المتعافين في المملكة المتحدة: “لا نعرف بالتأكيد ما إذا كانت هذه الطريقة العلاجية تجدي نفعا في الوقت الراهن”.
ورغم تعامل أغلب الدول مع هذا النوع من العلاج بحذر، يبدو أن الهند ليست فقط مؤمنة به، لكن السياسيين هناك يروجون له على أنه علاج ينقذ حياة المرضى. ويضع هذا النهج في التعامل مع العلاج بالبلازما الأطباء هناك تحت ضغط مستمر.
وقالت سوشيلا كاتاريا، رئيسة قسم الرعاية الفائقة في مستشفى ميدانتا، إن المزيد من المرضى وأقربائهم يطلبون الآن العلاج بالبلازما.
وأضافت أن “الكثيرين يشجعون بقوة” على استخدام هذا العلاج ويتعاملون معه على أنه علاج معتمد، مؤكدة أن “الأطباء فقط هم من يتخذون هذه القرارات. نحن نستخدم هذا العلاج في المستشفى التي نعمل فيها حسب وضع كل حالة على حدة. ولا يمكننا أن نصفه لكل المرضى”.
وقال إيه. فتح الدين، رئيس قسم رعاية الحالات الحرجة في كلية طب إرناكولام، إن فاعلية هذا النوع من العلاج لم تثبت بعد.
وأضاف: “لا يمكن إعطاء هذا العلاج أهمية أكبر من كونه لا يزال في نطاق التجارب السريرية في الوقت الراهن. نحتاج إلى المزيد من البيانات والفهم لطبيعته. وتحت أي ظرف، لا يمكن أن نخبر أسر المرضى بأن هذا العلاج حل سحري”.
لكن رغم النهج الحذر حيال هذه الطريقة العلاجية، شهد الطلب على بلازما المتعافين من كوفيد-19 في الهند ارتفاعا حادا خلال الأسابيع القليلة الماضية. كما أن هذا الطلب المتزايد هو الذي دفع أوديتيا مال إلى إطلاق موقعه الإلكتروني “دهوند” الذي يستهدف الجمع بين المتبرعين والمرضى.
وقال مال، الذي تعافى من الوباء بفضل العلاج بالبلازما: “تجربتي الشخصية جعلتني أدرك أن هذه الفجوة لابد من أن تُسد. لكن كانت هناك الكثير من التحديات – فلدينا مثلا أشخاص أصحاء سجلوا في البداية على الموقع اعتقادا منهم أنه موقع للتبرع بالدم”.
والآن، بات لدى الرجل فريق من المتطوعين لضمان الوصول إلى المتبرعين المناسبين.
لكن الطلب سوف يفوق المعروض بفارق كبير، وفقا لمال، الذي أضاف أنه وفريقه تمكنوا من توفير بلازما دم المتعافين لما يتراوح بين 100 و150 مريض من كل ألف طلب.
التعليقات مغلقة.