عودة الفحم مستقبل أسود ينتظر العالم

في نوفمبر 2021 اتفقت دول العالم في قمة المناخ «COP 26» التي عقدت في مدينة غلاسكو في أسكتلندا على تسريع الجهود الدولية للتخلص التدريجي من استخدام الفحم الحجري في الصناعة.

هذا الاتفاق جعل المملكة المتحدة التي استضافت القمة، تؤكد أنها أبقت على قيد الحياة الهدف الذي تبنته قمة المناخ COP 21 التي عقدت في باريس عام 2015، والمتمثل بوضع حد للاحترار لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وهو ما بات يعرف لاحقاً باسم اتفاقية باريس للمناخ.

منذ قمة باريس، والعالم يسعى للوصول في 2050 إلى صفر انبعاثات كربونية ناتجة عن استخدام الفحم في توليد الطاقة، ولكن يبدو أن هذه الوعود التي لم تقنع من البداية أنصار البيئة والمؤسسات الأوروبية المطالبة بالإغلاق الفوري لمصانع الفحم والاعتماد العاجل على الطاقة النظيفة، تبخرت.

وقالت الحكومة البريطانية إنها ستمدد العمل بالمحطات الحرارية العاملة بالفحم بدلاً من إغلاقها تدريجياً بدءاً من نهاية العام الجاري وحتى أكتوبر 2024 كما كان مخططاً مسبقاً.

الموقف البريطاني لم يختلف أيضاً عن مواقف دول أوروبية، ومنها الدنمارك، فصرحت حكوماتها علانية باستمرار الاعتماد على الفحم في توليد الطاقة.

هذا التغيير الخطير والتراجع غير المسبوق عن الوعود جاءا بسبب الحرب في أوكرانيا وما تسببت فيه من أزمة عالمية في الطاقة ناتجة عن إيقاف روسيا ضخ الغاز إلى القارة الأوروبية، رداً على العقوبات الأمريكية الأوروبية عليها.

الأكثر سخونة

القارة الأوروبية، التي تمثل ثالث أكبر اقتصاد في العالم، تعد مساهماً رئيساً في انبعاثات غاز الكربون المسبب للاحتباس الحراري وتراكم الاحترار بناء على اعتماد معظم مصانعها على الفحم، إذ أسهم الاتحاد الأوروبي وحده بنسبة 17% من غازات الاحتباس الحراري ما جعل متوسط زيادة درجة حرارة الهواء السطحي في أوروبا أعلى بمقدار 1 درجة مئوية تقريباً من متوسط زيادة درجة الحرارة العالمية.

كما كان صيف 2022 في أوروبا الأكثر سخونة على الإطلاق. لارش ماكسي من منظمة «إعزلوا بريطانيا» المختصة بالحفاظ على البيئة قال لـ«البيان» إن المملكة المتحدة فشلت في الوفاء بالتزاماتها تجاه أزمة الطاقة، ولم تلتزم تنفيذ اتفاقية باريس.

كما أنها لم تحافظ على أمننا البيئي، مضيفاً إن العالم في خطر حقيقي وكبير مع قرار الاستمرار في الاعتماد على الفحم الحجري في توليد الطاقة، داعياً المسؤولين للقيام بكل ما يلزم للحفاظ على مستويات الحرارة تحت 1.5 درجة وفق اتفاقية باريس، وإلا فإن العالم سوف يسجل ملايين الوفيات، كما أن القارة الأوروبية ككل لديها مسؤولية عالمية لقيادة التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون وأكثر صحة.

موجات الحر

وتكشف اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرها لعام 2022 عن مدى خطورة قرب العالم من الوصول إلى نقطة اللاعودة في تغير المناخ، بسبب المماطلة في التوقف عن الاعتماد على الفحم الذي يضر بالإنسان والبيئة على حد سواء.

ووفقاً للأرقام الرسمية فقد زاد تعرض السكان في أوروبا لموجات الحر بنسبة 57 % في المتوسط في الفترة من 2010 وحتى 2019 مقارنة بالفترة من 2000 وحتى 2009، ما يضع كبار السن والأطفال الصغار والأشخاص الذين يعانون حالات صحية مزمنة أمام معاناة حقيقية وأخطار عالية من تزايد الوفيات المرتبطة بالحرارة.

وعن هذه النقطة يقول ماكسي لـ«البيان» إن الوصول إلى انبعاثات كربون صفرية بحلول عام 2050، يجب أن يسبقه إيقاف جميع محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم في البلدان الغنية بحلول 2030 على أبعد تقدير وبحلول عام 2040 في بقية العالم، في حين أنه وفقاً لوكالة الطاقة فإن 27 شركة فقط من أصل 1064، أعلنت عن مواعيد التوقف عن استخدام الفحم والانتقال إلى محطات تعمل بالغاز فمع توقف إمدادات الغاز الروسية تتضاعف الأزمة والأخطار.

وتقول الحكومات الأوروبية من جهتها إن تمديد الاعتماد على الفحم يعد إجراء مؤقتاً، مؤكدة اعتمادها لاحقاً على الغاز الطبيعي وربما هذا ما أكده تصويت الاتحاد الأوروبي في يوليو الماضي على إعادة تصنيف الغاز الطبيعي وقوداً صديقاً للبيئة، ما يحسن آفاق الاستثمار.

كما بررت الحكومات الأوروبية تمديد العمل بالفحم الحجري لتوليد الطاقة رغم أخطاره بالحد من تكلفة فواتير الطاقة المرتفعة بعد أزمة الغاز الروسي.

التكلفة الهائلة

لكن المشكلة الأبرز حالياً تكمن في التكلفة الهائلة للغاز التي تصل إلى 10 أضعاف مستويات ما قبل الحرب في أوكرانيا، وهو ما يفرض على الغرب إيجاد بدائل سريعة وبتكلفة أقل، إذ تتجه الأنظار إلى اعتماد أكبر على الطاقة الشمسية.

من جهته، يرى آدم كيث المتحدث الرسمي باسم منظمة «Extinction Rebellion» المعنية بالحفاظ على البيئة لـ«البيان»، أن الفحم يسهم في انهيار المناخ أكثر من أي مصدر آخر للطاقة كما أن زيادة حرق الفحم مع اتساع دائرة الاعتماد عليه تمثل خطوة إلى الوراء، ولا سيما أن العالم يحتاج بشكل عاجل إلى التركيز على تقليل الانبعاثات لحماية البشر من الأخطار الصحية.

وعلى مستوى البيئة يرى أن هناك تأثيراً سلبياً للفحم على المناظر الطبيعية، كما يسبب حرقه إلى تلوث الهواء بنسب مرتفعة تضر بالنباتات والزراعة، داعياً إلى التركيز على الطاقة الخضراء والمستدامة لتجنب كارثة وانهيار بيئي ومجتمعي.

الحرب في أوكرانيا التي بدأت في فبراير الماضي، أحدثت سياقاً جديداً من عدم الاستقرار السياسي وسلطت الضوء على اعتماد أوروبا على واردات الوقود الحجري.

هذا الاعتماد يسلط الضوء أيضاً على الحاجة الملحة للانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مع ضمان أمن الطاقة والقدرة على تحمل التكاليف.

 

 

 

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد