ضريبة نفط برازيلية تهدد استثمار 20 مليار دولار سنوياً
حين زار رئيس “شل” التنفيذي الجديد وائل صوان البرازيل في فبراير مستهلاً بها زياراته الدولية، حظي باستقبال حار. لقد حصل صوان على تأكيدات بأن القيادة اليسارية الجديدة في البلاد ستحترم الوضع الراهن في صناعة النفط، وغادر واثقاً من أن أعمال الشركة ستستمر بالتقدم، بحسب أشخاص مطلعين على الزيارة.
إلا أن مشاعر الودّ هذه لم تدُم طويلاً، إذ فاجأت البرازيل بعد أسبوعين من هذه الزيارة شركات التنقيب في البلاد بأنها فرضت ضريبة مؤقتة على صادرات النفط.
ردّاً على ذلك، رفعت شركة “شل” ومجموعة من شركات النفط الأجنبية إنذاراً قضائياً اعتراضاً على الضريبة، وينذر هذا بمعركة قانونية عامة مع إدارة الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
قد يؤدي الصراع إلى الإضرار بسمعة البرازيل التي اكتسبتها بشق الأنفس كدولة استثنائية غنية بالنفط في أميركا اللاتينية تفتح ذراعيها لمنتجي النفط الأجانب وتحترم مواثيقها معهم.
إذا تهاوت هذه المصداقية قد تقوض استثمارات سنوية قيمتها 20 مليار دولار في صناعة النفط بالبرازيل، في وقت تُثار فيه أسئلة خطيرة بشأن وجهة العالم التالية للحصول على مصدر للوقود الأحفوري.
كانت ضريبة الصادرات البالغة 9.2%، التي أُعلن عنها في اليوم الأخير من فبراير أول إجراءين اتخذتهما الإدارة في البرازيل تسببا بهزات في صناعة النفط عالمياً. أوقفت حكومة “لولا” أيضاً، بعد مراجعة، مبيعات مخططة لامتيازات حقول نفط ومصافي وقود بلغت قيمتها حوالي ملياري دولار، رغم أن المشترين جمعوا بالفعل أموالاً لإتمام الصفقات، التي وُقعت في عهد الحكومة السابقة.
قد تؤدي التحولات المتلاحقة في السياسة إلى إعادة النظر في استثمار مليارات الدولارات في البرازيل، التي احتلت المرتبة الثامنة بين أكبر منتجي النفط في 2021، وفقاً لأحدث البيانات المتاحة من إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
أوغندا أم البرازيل؟
قال مارسيلو دي أسيس، رئيس أبحاث التنقيب والاستخراج في أميركا اللاتينية لدى شركة “وود ماكنزي” (Wood Mackenzie)، إن هناك حقلين في المياه العميقة يمكن أن يتأثرا إذا أوقفت شركتان استثماراتهما هناك، وهما “غاتو دو ماتو” (Gato do Mato) التابع لـ”شل” و”باو دي أكويكار” (Pão de Açúcar) التابع لشركة “إكوينور” (Equinor)، وهما حقلان لا يزالان في مرحلة التصميم ولم يُقرّ تطويرهما بعد.
قال دي أسيس: “سيتحقق الجميع من محافظهم، وخاصة الاستثمارات الجديدة. سيعيدون النظر في التكاليف والمخاطر مقارنة بمشاريع في أماكن مثل أوغندا”.
رفضت الشركات التعليق على مشاريع محددة، رغم من أن “إكوينور” النرويجية تقول إن هناك حاجة إلى “الالتزام المطلق” بالعقود لتبرير الاستثمارات طويلة الأجل.
تمثل تحركات “لولا” الأخيرة خروجاً واضحاً عن الموقف التوافقي العام تجاه المستثمرين الذي ميّز ولايته الرئاسية الأولى، التي امتدت بين 2003 و2010. منذ توليه منصبه في يناير انتقد علناً البنك المركزي لإبقائه أسعار الفائدة مرتفعة، قائلاً إن ذلك يخنق الاقتصاد، وأثار تساؤلاً عما إذا كان ينبغي أن يكون البنك مؤسسة مستقلة. أدت تصريحاته بشأن هذه القضايا لإرباك الأسواق المالية في عدة مناسبات.
شأنه شأن عديد من قادة العالم، يحرص لولا على الاستفادة من أرباح النفط المفاجئة لدعم المالية العامة وتحفيز النمو. وبخلاف موقفه بشأن ضريبة التصدير، فقد أبدى أسفه علانيةً بشأن توزيعات الأرباح القياسية التي كانت شركة “بتروبراس” (Petrobras)، التي كانت تحتكر النفط في السابق، قد دفعتها للمساهمين، معللاً ذلك بأن الشركة يجب أن تضخ الأرباح الفائضة في الاقتصاد.
نزعة إقليمية
كانت “شل” و”إكوينور” و”غالب إنيرجيا” (Galp Energia) و”ريبسول” ( Repsol) و”توتال إنرجيز” (TotalEnergies) قد تقدمت بأمر قضائي هذا الشهر ضد الضريبة، التي من المقرر أن تستمر أربعة أشهر، لكن بعض المخاوف قد تستمر.
قالت “شل” في بيان إن الضريبة “أُعلن عنها دون تشاور واسع مع أطراف الصناعة”. كما انتقد معهد البترول والغاز البرازيلي، وهو مجموعة تجارية تمثل الشركات المحلية والأجنبية، هذه الضريبة.
تحذو أجزاء أخرى من أميركا اللاتينية حذو هذه التحركات، وبينها الأرجنتين وبوليفيا والإكوادور وفنزويلا. كثفت الحكومات اليسارية في تلك الدول الضغط على منتجي النفط المحليين في العقود الأخيرة، وشمل ذلك طلباً بتغيير التراخيص وشروط الصفقات بأثر رجعي.
في المكسيك، أنهى الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، وهو حليف لولا القديم، مزادات النفط التنافسية في 2018، وقد كانت جزءاً من إصلاحات الطاقة التاريخية التي أُحدثت قبل عقد. كما انحازت حكومته العام الماضي إلى جانب شركة النفط الوطنية “بتروليوس مكسيكانوس” (Petróleos Mexicanos)، في نزاع نشب حول السيطرة على حقل نفط تبلغ طاقته الإنتاجية 800 مليون برميل كانت قد اكتشفته شركة “تالوس إنرجي” (Talos Energy) في هيوستن.
حتى أن جان بول براتيس، الذي اختاره لولا لإدارة شركة “بتروبراس”، قال في مؤتمر نفط دولي في هيوستن في وقت سابق من مارس إن ضريبة التصدير ليست طريقة بارعة لحل المشاكل المالية في البرازيل، لكنه أضاف أنه واثق من أن الضريبة ستنتهي في يونيو كما هو مخطط.
بلا تسرع
تشير الدلائل حتى الآن إلى أن الشركات الأجنبية تريد الاستمرار بالعمل في البرازيل. فقد وقّعت كلٌ من “شل” و”إكوينور” اتفاقيات تعاون مع “بتروبراس” منذ الإعلان عن الضريبة، وهو مؤشر واضح على عدم اندفاعهما نحو مغادرة سوق البرازيل.
كانت الضريبة قد فُرضت بسبب معركة داخلية في حكومة لولا حول سبل سد عجز الميزانية، وهو مطلب رئيسي لخفض أسعار الفائدة المرتفعة التي تعيق الاقتصاد. قررت الحكومة إعادة تدريجية لضرائب اتحادية على الوقود كانت قد أوقفتها الإدارة السابقة. تهدف ضريبة التصدير لدعم الإيرادات حتى تُستعاد ضرائب الوقود بالكامل.
تواجه صناعة النفط تقلبات غير متوقعة بالأسعار ومخاطر جيولوجية، كما يقول تيلمو غيورزي، وهو رئيس الرابطة البرازيلية لمزودي خدمات النفط المعروفة باسم “أبيس بترو” (AbesPetro).
عدم اليقين الإضافي الذي يعتري التعاقدات من شأنه أن يثبط همة شركات الاستكشاف بشأن حفر آبار في المياه العميقة قد يكلف كلاً منها أكثر من 100 مليون دولار. قال غيورزي: “هذه هي أساسيات اقتصاديات النفط… إنك تطلب من المستثمر أن يقلص نشاطه”.
التعليقات مغلقة.