“سوريا الراهنة ” خزان الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط .. صراعات اقتصادية قادمة
أجرته \ رباب سعيد مراسلة مجلة استثمارات الإماراتية شؤون مصر وشمال إفريقيا
بعد سنوات من الأزمات المتلاحقة في الاقتصاد السوري، والتي تفاقمت بفعل الحرب والعقوبات الدولية، تقف سوريا اليوم على مفترق الطرق ، فسقوط نظام بشار الأسد، يفتح الباب أمام البلاد للاستفادة من فرص جديدة لإعادة بناء ما دمرته سنوات الأزمات. ومن غير المرجح أن يكون لإنهيار الحكم الذي دام في سوريا لأكثر من 53 عاماً، انعكاسات إيجابية فورية على الاقتصاد، فالصراع الذي شهدته البلاد لسنوات طويلة والعقوبات الدولية، أجهزت على مختلف القطاعات الاقتصادية وتركتها في حالة شلل شبه كامل.
القطاعات الرئيسية
ويقول الإعلامي السوري / عبد الجبار فرحان محمد في حديث ” لمجلة الاستثمارات الإماراتية أن .
سوريا مثل غيرها من الدول تتميز بتاريخ اقتصادي مضطرب، قبل الثورة السورية كان القطاعان الرئيسيان للاقتصاد السوري هما الزراعة والنفط، اللذان كانا معاً يمثلان نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي
و بعد اندلاع الحرب في عام 2011، تأثر الاقتصاد السوري بشدة بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على التجارة من كل الدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة، وقد أدت العقوبات والتدمير والاضطرابات المرتبطة بالحرب إلى تدهور اقتصاد سوريا.
عبد الجبار فرحان :
مجمل الأراضي الصالحة للزراعة 32% وتشكل 26% من مجموع الدخل
لذلك عانى الاقتصاد السوري من التضخم المفرط المرتبط بالنزاع حتى أصبح معدل التضخم السنوي السوري هو من أعلى المعدلات في العالم … كما قدّرت منظمة الأمم المتحدة نصف سكان سوريا بوصفهم ضمن دائرة الفقر… ونتيجة لذلك طرق السوريون أبواب الهجرة لكل أنحاء العالم بصورة غير مسبوقة في تاريخ البلاد
ويؤكد الإعلامي السوري أنه بعد سقوط نظام الأسد يتجه الاقتصاد السوري للتعافي حيث يعتبر اقتصادًا نامياً ومتعدداً، وتعتبر الزراعة أهم مقومات الاقتصاد في البلد الذي انهكته الحروب، حيث تبلغ مساحة مجمل الأراضي الصالحة للزراعة 32% وتشكل 26% من مجموع الدخل، كما يعمل بالزراعة أكثر من مليون عامل في سوق العمل و أن أهم المحاصيل الزراعية هي القمح والشعير والقطن وكذلك الزيتون
دور القطاع السياحي
ولفت أيضاً إلى الدور الكبير الذي يمكن للقطاع السياحي أن يلعبه في إعادة إحياء الاقتصاد السوري، من خلال رفد خزينة الدولة بمليارات الدولارات، وذلك في حال استثماره بطريقة صحيحة، فسوريا تعد من بين أغنى دول العالم، من حيث التراث الثقافي والآثار التاريخية، التي تعكس حضارات عريقة، امتدت عبر آلاف السنين.
وكشف أن البلاد تحوي أيضاً جبالاً من الرخام والغرانيت الأجود عالمياً، في حين أن المعابر الموجودة في سوريا والتي تصل الشرق بالغرب، كمعبر باب الهوى الذي يصل تركيا بأوروبا، ومعبر نصيب الذي يصل الأردن بالخليج، يمكن أن يُدخلا سنوياً إيرادات هائلة وأوضح أن ما كان يعيق الاستثمار الفعال في هذا البلد هو الحرب التي وضعت أوزارها قبل أيام، والآن وبعد أن بدأت عروس بلاد الشام تنفض عنها غبار السنوات العجاف و تستعيد عافيتها تدريجياً وتعطي مؤشرات ورسائل اطمئنان لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية سيما بعد التصريحات الأممية والأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بخصوص رفع العقوبات عن سوريا ودعم مسيرة الإعمار والبناء من جديد فكل المؤشرات توحي بأن سوريا مقبلة على نهضة اقتصادية واستثمارية غير مسبوقة،
فرص استثمارية
وأكد أن العيون تترقب الأحداث والوقائع على الأرض وتتحين الفرص المناسبة لدخول سوق الاستثمار في هذا البلد الغني بثرواته البشرية والاقتصادية، في كل الجوانب، كالنفط والغاز والطاقات المتجددة وإنتاج الفوسفات وتوليد الكهرباء والسياحة وتصنيع الأسمدة والأدوية والصناعات الكيماوية والورقية وإنتاج شبكات الري الحديث والنقل والسياحة وغيرها من ميادين الاستثمار في سوريا الجديدة،
خاصة لو علمنا أن هناك حوافز ومزايا إضافية تُمنح للمستثمرين في سوريا كالحوافز الجمركية والضريبية وتوفر اليد العاملة والمناخ الملائم الذي يشجع على الاستثمار في سوريا
الاقتصاد السوري إلي أين ؟
قال الأستاذ الدكتور / السيد خضر مدير مركز الغد للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية في هذا السياق ” لمجلة استثمارات الإماراتية ” أن قيمة الناتج المحلي الإجمالي في سوريا وصلت إلى 67.5 مليار دولار في 2011، لتبدأ بعد ذلك رحلة هبوطٍ دراماتيكي جعلته يصل إلى 9 مليارات دولار في 2021، ما يمثل انخفاضاً بأكثر من 86%، وفق أحدث البيانات المتاحة من البنك الدولي.
الخبير الاقتصادي الدكتور / السيد خضر
“ظهور فئات جديدة من الليرة بشكل جديد وبقيمة مختلفة”
فقد شهدت سوريا تحولات كبيرة في المشهد السياسي، لكن التحدي الأكبر يبقى في الاقتصاد الذي يواجه مصيرا غير واضح، مع خطر الانزلاق إلى مرحلة من الفوضى الاقتصادية بعد انهيار نظام بشار الأسد
وأكد أن الأزمة الاقتصادية في سوريا تفاقمت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، حيث تدهورت الأوضاع مع استمرار الصراع الدموي بين قوات المعارضة ونظام الرئيس بشار الأسد، الذي تم الإعلان عن سقوطه يوم الأحد في الثامن من ديسمبر 2024، حيث أصبح لاجئاً في روسيا…
نقص التمويل
وأشار ” خضر” أن الأزمة الاقتصادية تفاقمت بسبب نقص التمويل والمساعدات الإنسانية المحدودة، ما أدى إلى تدهور قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية، في ظل ارتفاع الأسعار، وتراجع الخدمات، وزيادة معدلات البطالة.. وأضاف الدكتور سيد خضر أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية فرضت عقوبات على سوريا، ما أدى إلى زيادة الضغوط على الاقتصاد السوري، ما حد من قدرة الحكومة على الوصول إلى الأسواق العالمية أو استيراد السلع الأساسية.
وتوقع استمرار الانكماش الاقتصادي في سوريا في 2024، مع توقعات بتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5%، كما سيستمر التضخم المرتفع نتيجة لتدهور قيمة العملة، وانخفاض المساعدات الإنسانية، وزيادة التوترات الجيوسياسية.
وأوضح أن حوالي 69% من السكان كانوا يعيشون في فقر عام 2022، بزيادة ملحوظة في الفقر المدقع بعد سنوات من النزاع، مع تزايد الأثر السلبي لزلزال فبراير2023
وأن الحرب في سوريا خلفت آثارا مدمرة على الاقتصاد الكلي، حيث تراجع النشاط الاقتصادي بنسبة 1.2% في عام 2023، وواجه قطاع النفط تراجعًا بنسبة 5.5% بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية جراء النزاع.
وتابع أن الصراع أسفر عن نزوح العديد من المزارعين، ما أثر سلبًا على الإنتاج الزراعي، رغم تحسن الأحوال الجوية في 2023.
و انهيار الإنتاج الصناعي والزراعي المحلي أدي إلى زيادة الاعتماد على الواردات الغذائية، ما فاقم الأزمة الاقتصادية.. ولفت إلي أن مستقبل الليرة مرهون بعودة عمل المؤسسات وإنتاج النفط والقمح وعجلة الإنتاج بالكامل، وتراجع سعر الليرة بقوة إلى مستوى قياسي ليلة سقوط النظام وصلت إلى 40 ألف ليرة لكل دولار، واليوم انخفضت إلى حدود 20 ألف ليرة لكل دولار، وهناك بعض المحافظات يتم تداول الليرة بها في حدود 17 ألف ليرة لكل دولار، و إن عودة سعر الليرة لمستويات 200 أو 300 أو حتى ألف أو 3 آلاف ليرة لكل دولار مرهون بالواقع الاقتصادي الجديد.
مستقبل الليرة السورية
وحول مستقبل الليرة السورية قال الخبير الاقتصادي السيد خضر أنها لن تستمر في التداول خلال الفترة الراهنة في ظل وجود حكومة جديدة؛ بسبب أن الليرة السورية مطبوع عليها صورة بشار الأسد فئة الألفين ليرة وصورة حافظ الأسد فئة الألف ليرة القديمة، “لذلك أعتقد ظهور فئات جديدة من الليرة بشكل جديد وبقيمة مختلفة
وتابع أن السبب الثاني لتحسن الاقتصاد السوري مرتبط بعامل الأمان، فعندما ارتفع التضخم حتى وصل سعر الليرة إلى 40 ألف ليرة كان مرتبط بعامل الخوف، ولما زال هذا الخوف انخفض سعر الدولار إلى مستوى ما بين 20 ألف إلى 17 ألف ليرة، متوقعاً أنه مع الاستقرار وتوفير عامل الأمان سيستقر سعر الصرف في حدود ما بين 14 ألف و15 ألف ليرة لكل دولار
ما تحتاجة سوريا بعد سقوط النظام ؟
وفي هذا الصدد قال مدير مركز رؤية للدراسات المالية والاقتصادية الخبير الاقتصادى بلال شعيب في حديث لمجلة “استثمارات الإماراتية “، إن النظرة إلى الاقتصاد السوري في المرحلة المقبلة ستكون شديدة القتامة والظلمة، فالبلاد تفتقر حالياً لقطاعات اقتصادية قائمة، يمكن أن يعتمد عليها في عملية النهوض.
الخبير الاقتصادي بلال شعيب
الحرب الداخلية التي استمرت لأكثر من 12 عام لم توفر فرصة لوجود بيانات دقيقية عن مستويات البطالة والإنتاج المحلي
ولذلك فإنه في أفضل الأحوال والظروف واذا استقرت الاوضاع في سوريا، وتوافرت الظروف المثلى فإن إعادة بناء الاقتصاد، ستحتاج الى عشر سنوات على الأقل، في حين أن الإدارة غير المستقرة قد تحدث مزيداً من التدني في مستوى الاقتصاد السوري، دون وجود مؤشر زمني على استقرار الحال
ويرى شعيب أن الاقتصاد السوري تشوبه الآن حالة من عدم اليقين، فالحرب الداخلية التي استمرت لأكثر من 12 عام تقريباً، لم توفر فرصة لوجود بيانات دقيقية عن مستويات البطالة والإنتاج المحلي، في حين يبقى القطاع الزراعي هو القائم حالياً والذي كان يصل إنتاجه إلى نحو 1.5 مليار دولار سنويا
وقد أظهرت الإحصاءات الرسمية انكماش الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة 54% بين عامي 2010 و2021. ويتوقع البنك الدولي انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.5% العام الجاري، مع تراجع حاد في القوة الشرائية للسوريين في ظل غلاء الأسعار ونقص السلع الأساسية، كما توقع تقرير البنك الدولي بقاء الاستثمار الخاص ضعيفًا في ظل الوضع الأمني المتقلب وضبابية الوضع الاقتصادي والسياسي.
وأوضح شعيب أن تقرير البنك الدولي يشير إلى تأثر 69% من السكان بالفقر، ما يعادل نحو 14.5 مليون سوري وذلك خلال الفترة من 2010 حتى عام 2022، ويعاني أكثر من ربع السوريين من الفقر المدقع خلال عام 2022، وسط توقعات بارتفاع العدد خلال عامي 2023 و2024
تكلفة إعادة إعمار سوريا
أكد الخبير الاقتصادي بلال شعيب أن تقييم الأضرار في سوريا حتى يناير 2022،فقد تراوحت تقديرات الأضرار في القطاعات التي تم تقييمها مثل البنية التحتية، والقطاعات الاجتماعية، والبيئة، والمؤسسات العامة بين 8.7 إلى 11.4 مليار دولار. وأشار إلى أن البنية التحتية المادية كانت أكثر القطاعات تضررا، حيث شكلت 68% من الأضرار بتقديرات تتراوح بين 5.8 إلى 7.8 مليار دولار
ولا توجد إحصائيات دقيقة حول تكلفة إعادة الإعمار في البلاد، نظرًا لأن تحديد الخسائر يتطلب دراسة ميدانية تفصيلية لتقييم حجم ومدى الأضرار.
ونوه إلي أن التقديرات تختلف بشكل كبير بين مختلف المصادر، مما يعكس اختلافًا واسعًا في تحليل الوضع
مستقبل الدول القريبة من سوريا بين الفرص والمغانم
الباحث السياسي التركي / اسلام اوزكان
مساهمة السوريين في تعزيز الاقتصاد التركي
وفي هذا السياق قال الباحث السياسي التركي اسلام اوزكان في حديث ” لمجلة استثمارات الإماراتية” أن مستقبل العلاقات التركية السورية بعد سقوط النظام السابق: يتوقف على التغيرات السياسية في كلا البلدين. إذا حدث تغيير سياسي كبير في سوريا، فقد تتحسن العلاقات بين البلدين، خاصة إذا تم تشكيل حكومة سورية تكون أكثر انفتاحاً على الحوار مع تركيا. من المحتمل أن تكون هناك اتفاقيات جديدة تتعلق بالأمن الحدودي، وعودة اللاجئين، والتعاون الاقتصادي لإعادة إعمار سوريا
وأشار الباحث السياسي التركي .اسلام اوزكان إلي مساهمة السوريين في تعزيز الاقتصاد التركي فقد أسهموا بشكل كبير في الاقتصاد التركي عبر عدة مجالات، منها
العمالة حيث عمل ملايين السوريين في قطاعات مثل الزراعة، والصناعة، والبناء، مما ساعد على سد فجوة في سوق العمل. والتجارة والاستثمار أسس السوريون آلاف الشركات، خصوصاً في مجالات التجارة والخدمات، مما عزز الاقتصاد المحلي في عدة مدن تركية. بالإضافة إلي ريادة الأعمال فقد ساهموا في تعزيز التجارة بين تركيا وسوريا والدول العربية الأخرى من خلال خبراتهم وعلاقاتهم التجارية
وأكد اوزكان علي توسع الاستثمارات التركية في البنية التحتية باستمرار خاصة في مشاريع البنية التحتية مثل الطرق السريعة، والمستشفيات، والمدارس، وشبكات المياه والطاقة. يتوقع أن تستمر هذه الاستثمارات كجزء من خطط التنمية المستدامة، خصوصاً في المناطق الحدودية مع سوريا لتسهيل حركة التجارة وتوفير الخدمات للاجئين وتابع الباحث السياسي إسلام اوزكان أن استراتيجية تركيا لعودة الاجئين السوريين إلى بلادهم و تسعى لتطبيق سياسة “العودة الطوعية” للسوريين، معتمدة على إنشاء مناطق آمنة و تسعى الحكومة التركية إلى إنشاء مناطق آمنة داخل سوريا، خصوصاً في الشمال السوري وعن طريق .
التنمية الاقتصادية حيث تعمل على تطوير مشاريع تنموية في هذه المناطق لضمان استقرار العائدين. مع التنسيق الدولي و تسعى تركيا إلى الحصول على دعم دولي لتأمين العودة الطوعية، بما في ذلك منظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. فالاستراتيجية التركية تعتمد على التوازن بين الحاجة إلى حماية حدودها وأمنها القومي، والحفاظ على علاقاتها الدولية، ومعالجة الأوضاع الإنسانية للسوريين.
التعليقات مغلقة.