ساحل العاج.. غزارة الأمطار تؤدي إلى شحّ في محاصيل الكاكاو
يتأمّل سياكا سيلا باستياء المستودع شبه الفارغ لتعاونيته في جنوب ساحل العاج، فبعد موسم شهد غزارة غير مألوفة للأمطار، تشير التوقعات إلى أنّ محاصيل الكاكاو في أكبر بلد منتج لهذه الحبوب في العالم، ستكون منخفضة جداً.
في صباح يوم حار من نوفمبر/تشرين الثاني، تصل شاحنات قليلة من المزارع لتسليم بضع عشرات من أكياس حبوب الكاكاو إلى تعاونية سكابين في قرية إيرمانكونو المحاذية لديفو.
ويقول سيلا، رئيس التعاونية التي تضم نحو 1500 مزارع “شهدت هذه السنة أمطاراً غزيرة! وعادة ما كانت تصطف الشاحنات لتفريغ حمولتها خلال هذه الفترة من العام! لكن بالكاد لدينا اليوم 200 كيس من الحبوب في وقت نستطيع تخزين أكثر من ذلك بعشر مرات”.
ويتوقع أن يكون المحصول هذه السنة أقل بثلاث إلى أربع مرات من العام الفائت.
وفي حقول الكاكاو، يمكن بسهولة التثبت من حديث سيلا. فعلى حافة طريق لا يُسمح إلا للدراجات النارية بعبوره، يحصد باموسا كوليبالي بعض الحبوب ذات اللونين الأصفر والأحمر من أشجار كاكاو كثيرة.
وشهد جنوب ساحل العاج كميات استثنائية من الأمطار في يوليو/تموز الفائت، وهو الشهر الذي تُثمر فيه أشجار الكاكاو و”تتساقط الزهور عنها”، على ما يوضح العامل الزراعي مبرراً الكميات المحدودة من محاصيله.
ومن بين الحبوب التي قاومت موسم الأمطار الاستثنائي، تعفّن بعضها بسبب معدلات الرطوبة المرتفعة.
زيادة معدلات الأمطار بـ20 إلى 40%
وفي مناطق معينة، كانت معدلات هطول الأمطار منذ بداية العام أعلى بنسبة 20 إلى 40% من المتوسط المُسجَّل بين 1991 و2020، بحسب أرقام وكالة الأرصاد الجوية “سوديكسام”.
وينبغي أن يخضع الكاكاو بشكل دقيق لأشعة الشمس والأمطار كذلك حتى يُثمر بشكل كامل.
على بعد بضعة كيلومترات من إرمانوكونو، في الأدغال القريبة من ندوسي، تسير مونيك كوفي أمينان في حقل داخل مستنقع مليء بأمطار خلّفها الموسم الاستثنائي وتسببت بفيضان نهر مجاور لأسابيع عدة.
وتقول المرأة الأربعينية التي تعمل في هذا الحقل مع زوجها منذ عشر سنوات “ما حصدناه هذا العام، لن يملأ كيساً واحداً حتى، بينما كانت الثمار في العادة تملأ كيسين”، مضيفةً “لقد تسببت الأمطار بتعفّن الكاكاو”.
ويقول إيف براهيما كونيه، رئيس مجلس القهوة والكاكاو (سي سي سي)، الهيئة التي تنظّم هذا القطاع في البلاد، في حديث “كنا نتوقع انخفاضاً بنسبة 20% مقارنة بمحصول العام الفائت وأتت توقعاتنا في مكانها”، مضيفاً “مع هطول الأمطار الغزيرة، تعفّنت حبوب كثيرة”.
أسعار قياسية
توفر ساحل العاج، أكثر الدول إنتاجاً للكاكاو في العالم، نحو 40% من هذه الحبوب. وعلّقت اعتباراً من يوليو/تموز، عقود المبيعات التصديرية، بعدما توقّعت سنة سيئة.
وتسبب هذا القرار بتسجيل أسعار قياسية للكاكاو في الأسواق المالية.
في لندن، بلغ سعر طن الكاكاو في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 3478 جنيهاً إسترلينياً، وهو رقم قياسي منذ العام 1989، بينما تجاوز السعر في نيويورك عتبة 4000 دولار، في أعلى رقم يُسجّل منذ نهاية عام 1978.
ولكنّ الوضع قد يبقى حرجاً بعد موسم الأمطار، لأن تجدد ظاهرة الـ”نينيو” المناخية يثير مخاوف من تسجيل موجات طويلة من الجفاف في غرب إفريقيا.
ويؤكد الخبير الاقتصادي الإيفواري سيرافين براو أن “ذلك دليل على أن التغير المناخي يطال البلدان النامية بصورة أكبر”. لكن في انتظار احتمال تكرار الظاهرة خلال الموسم المقبل، ينتاب المنتجين قلق من أوضاعهم المالية على المدى القصير.
في ساحل العاج، تحدد الحكومة سعر شراء الكاكاو من المزرعة. وكان سعر الكيلوغرام الواحد هذا العام -المحدد عند ألف فرنك (1.64 دولاراً)- أعلى مما كان عليه خلال المواسم الأخيرة، لكن الكميات المنخفضة من المحاصيل ستمنع عائلات كثيرة من تحقيق أرباح.
وبحسب البنك الدولي، يوفر الكاكاو مداخيل لـ20% من سكان ساحل العاج.
وتقول مونيك كوفي أمينان “إنّ ابني وابنتي يرتادان المدرسة. لكن ماذا سنفعل في حال كانت المحاصيل محدودة؟”.
ويقول سيرافين براو “لو كنّا في نظام اقتصادي حرّ، لكان المزارعون الفائزين في ظروف كالراهنة، لأن أسعار الكاكاو تصل إلى مستويات قياسية. في الكاميرون مثلاً التي لا تتولّى السلطة تحديد سعر الكاكاو فيها، يُباع الكيلوغرام الواحد أكثر بمرتين”.
وبالعودة إلى تعاونية هيرمانكونو، لا يزال سياكا سيلا يؤمن أن كميات المحاصيل المتوسطة التي سُجّلت في نيسان/أبريل، ستكون أفضل. ويقول متنهّداً “لكنّه لن يعوض الربح الفائت”.
التعليقات مغلقة.