د. سالي شعراوي تكتب: أفاق التعاون المصري الإماراتي
بقلم: د سالي شعراوي*
يُعد أمن الخليج ودول الجوار بمثابة جزء لا يتجزأ من الامن القومى المصرى، ومن ثم تحرص مصر على تعزيز اواصر العلاقات مع دول الخليج العربى ومن ضمنها دولة الامارات العربية المتحدة، فالعلاقات بين مصر والامارات تستند إلى ميراث تاريخى من الاحترام والتقدير المتبادل الذى يعود إلى عام 1971 الذى شهد قيام دولة الامارات العربية المتحدة حيث كانت مصر من اوائل الدول التى دعمت الدولة الوليدة آنذاك وأيدت بشكل مطلق دولة الاتحاد .
كذلك تتضمن العلاقات الثنائية بين مصر والامارات ابعاد اقتصادية وسياسية وامنية ، فالإمارات بدأت فى تنفيذ عدد من المشروعات التنموية داخل مصر منذ انتهاء حكم الاخوان ، وعلى سبيل المثال وقعت اتفاقية مساعدات فى اكتوبر 2013 بقيمة 4,900 مليار دولار وفى فبراير 2016 اتخذت شركة موانئ دبى السخنة قرار بإلغاء التعامل بالدولار على الخدمات الارضية المقدمة لأصحاب البضائع وتحويل التعامل بالجنيه المصرى ، ومن الجدير بالذكر أن الامارات من أوائل الدول التى أعلنت تأييدها لتنفيذ خارطة الطريق المصرية.
كذلك فى إطار ترسيخ التعاون العسكرى شرعت الدولتان فى إجراء شراكات متواصلة فى مجال التنسيق العسكرى المتبادل من خلال عمليات التدريب العسكرية المشتركة وتم تعيين ملحق عسكرى مصرى بدولة الامارات والعكس صحيح للإطلاع على كافة المستجدات العسكرية.
ومن الجدير بالذكر أن بداية تطوير العلاقات العسكرية بين البلدين جاءت عن طريق عدة زيارات أولها زيارة الفريق صدقى صبحى إلى الامارات بتاريخ 8 /2/2014 تمهيداً لمناورات بحرية مشتركة كما قام الرئيس السيسى ( وزير الدفاع آنذاك ) فى 11 مارس 2014 بحضور المرحلة الاخيرة من المناورة العسكرية زايد 1.
حيث تُعد مناورة زايد 1 أول مناورة عسكرية بين الجيش المصرى والجيش الإماراتي وقد تركزت فى اسلحة القوات الجوية والبحرية والقوات الخاصة ، وبعد ثلاثة اشهر تقريبا جاءت زيارة الفريق حمد ثانى الرميثى رئيس اركان حرب القوات المسلحة الاماراتية فى اواخر يونيو من العام السابق الاشارة إليه لكى يشهد مناورات خليفة 1 والتى جرت فى مصر بين القوات البحرية للجيشين المصرى والإماراتي .
كذلك من اللافت للنظر أن الامارات تنشط فى مناطق القرن الافريقى وتسعى لمحاصرة النفوذ التركى فى تلك المنطقة عبر السيطرة على اكبر عدد من القواعد العسكرية وأخرها قاعدة برنيس المصرية ، حيث شكل تأسيس قاعدة برنيس العسكرية فى منطقة البحر الاحمر فرصة لتوفير مقر دائم للقوات البحرية التابعة للتحالف السعودى الاماراتى فى اليمن ، ومن جانبها قامت مصر بسحب جميع القوات البحرية المصرية الموجودة بالقرب من السواحل اليمنية والتى تعمل تحت قيادة المملكة العربية السعودية وإعادة تمركزها فى القاعدة العسكرية المصرية الجديدة
واتصالاً بذلك ، تجدر الإشارة إلى الزيارة الى قام بها فى يناير 2020 صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد ابو ظبى إلى مصر ومشاركته فى افتتاح قاعدة برنيس وحضور مناورة قادر 2020 التى تعد اضخم مناورة بالذخيرة الحية تشارك فيها عناصر من القوات الجوية والبحرية والإنزال البرمائى المصرية .
وفيما يخص الشأن الليبى، سارعت الامارات إلى تأييد إعلان الرئيس السيسى بشأن التدخل المباشر فى ليبيا وأكدت وزارة الخارجية والتعاون الدولى الإماراتية أن دولة الإمارات تقف إلى جانب مصر فى كل ما تتخذه من إجراءات لحماية امنها واستقرارها من تداعيات التطورات المتفاقمة على الساحة الليبية ، حيث تؤيد الإمارات الجهود المصرية الداعية إلى وقف إطلاق النار فى ليبيا والعودة إلى المسار السياسى الذى تقوده الامم المتحدة ، وفى هذا الاطار دعت الامارات الجهات الليبية وعلى رأسها حكومة الوفاق والجيش الوطنى الليبى إلى التجاوب الفورى مع اعلان القاهرة حقناً للدماء وتمهيداً لبناء دولة المؤسسات وتفادياً لاستمرار الاقتتال بكل ما يحمله من أخطار تهدد الكيان الليبى والعربى بوجه عام .
فالإمارات ترى أن المبادرة المصرية بمثابة بارقة امل لتحقيق السلام فى ليبيا ، ومن الجدير بالذكر فى هذا الاطار أن المبادرة المصرية لإنهاء الصراع فى ليبيا تضمنت تشكيل مجلس رئاسى منتخب إلى جانب وقف إطلاق النار المشار إليه ، ويأتى ذلك فى ضوء حرص مصر على استعادة الامن والاستقرار على الساحة الليبية انطلاقاً من توجه عربى اصيل باعتبار الامن القومى العربى جزء لا ينفصل عن استقرار مصر ، ويرى العديد من المتابعين لهذا الشأن أن مصر والامارات يمكنهما تحقيق خطوات جادة فى الملف الليبى فى إطار التوافق مع الرؤى الدولية التى تشدد على الاستقرار ومواجهة التطرف والارهاب فى منطقة الشرق الاوسط والقارة الافريقية.
وإذا ما نظرنا إلى الابعاد الاخرى للعلاقات الثنائية بين البلدين ، على المستوى الثقافى على سبيل المثال ، نجد أنه تتم زيارات متبادلة سنوياً بين المثقفين المصريين والإماراتيين فى المؤتمرات الثقافية والعلمية ، كما أن التعاون بين الهيئة الدولية للمسرح ووزارة الثقافة المصرية قائماً من خلال تبادل المسرحيين بالإضافة إلى دعم وزارة الثقافة المصرية لمكتب الهيئة فى القاهرة ، وعلى المستوى الاقتصادى نجد أن اهم ما يميز العلاقات الاقتصادية بين مصر والامارات هو التنوع فى محاور التعاون والقطاعات الاقتصادية حيث يشمل التعاون بينهما حركة التجارة البينية والاستثمارات المباشرة والمشروعات المشتركة والمساعدات الاقتصادية الاماراتية لدعم الاقتصاد المصرى ، وقد اسهمت خصائص الاقتصاد المصرى فى تعزيز هذا التعاون نتيجة تنوع التكوين القطاعى للاقتصاد المصرى وتعدد الفرص الاستثمارية فى مجالات البنية الاساسية والمشروعات التنموية وعلى سبيل المثال تجاوزت الاستثمارات الاماراتية فى مصر 6.7 مليار دولار خلال عام 2018 مقارنة بـ6.5 مليار دولار فى عام 2017 وبلغ عدد الشركات الاماراتية العاملة فى مصر نحو 700 شركة فى عام 2019 لتشمل قطاعات خدمات الاتصالات والبنوك والتطوير العقارى والسياحى.
وتجدر الإشارة إلى الدور المهم الذى تلعبه الشركات الاماراتية العاملة فى مصر فى دفع عجلة العلاقات الثنائية وتعزيزها على جميع المستويات.
من ثم يمكن القول أن العلاقات المصرية الاماراتية تُعد نموذجاً فى العلاقات العربية العربية القائم على اسس راسخة من الاحترام والمصالح المشتركة وذلك فى إطار التنسيق المستمر على المستوى السياسى والزيارات المتبادلة ، فمن المتوقع استمرار مؤشر الصعود فى مستوى التفاعل بين البلدين خاصة فى ضوء الاوضاع التى تشهدها منطقة الشرق الاوسط والنزاعات المسلحة التى تتطلب تبادل الخبرات بين الدول العربية والتنسيق السياسى والدبلوماسى فيما بينها ، خاصة وأن الامارات من جانبها تدرك أهمية الدور المصرى وتدعم مواقف مصر من مختلف القضايا وبالتالى فإن جذور التعاون الثنائى فيما بينهما تقوم على اسس ايجابية يُمكن البناء عليها مستقبلاً فى مختلف ابعاد العلاقات الاقتصادية والامنية والسياسية.
* الدكتورة سالي شعراوي: باحثة في العلوم السياسية وحاصلة على الدكتوراه في العلاقات الدولية.
التعليقات مغلقة.