“جهود الوساطة للقضايا الشائكة” و “انتعاش المكاسب الاقتصادية مع القوى الإقليمية والدولية

أجرته / رباب سعيد

مراسلة مجلة استثمارات الإماراتية شؤون مصر وشمال إفريقيا

 

قدمت الصين نفسها لاعبا دوليا رئيسيا في الملفات الدولية عبر باب الوساطة، لتواجه هيمنة الولايات المتحدة على الساحة، وبدأت ملامح السياسة الخارجية الصينية  فى الظهور في إطار ارتكازها على مجموعة من المبادئ، تأتى على رأسها كيفية التعامل والتواصل مع القوى الكبرى، وسياسة الجوار، والعلاقة مع الدول النامية والمنظمات الدولية. وقد شكل هذا نقلة نوعية فى صياغة القوى الناعمة والقيم الصينية، وكيفية خلق صورة إيجابية لتطورها ونموها الاقتصادى، والعمل على نشر الثقافة الصينية لتنافس ثقافات الدول الأخرى لتخلق لنفسها مكانا على الساحة الدولية

وفي هذا السياق أوضح السفير علي الحفني نائب وزير الخارجية السابق للشؤون الصينية “لمجلة استثمارات الإماراتية ” إن اهتمام الصين بالقوة الناعمة لم يأت من فراغ فهو كان هدفا للقيادة الصينية بشكل مستمر من أجل دعم التطور السلمى، وتوفير البيئة الدولية المناسبة من أجل دعم عملية تطورها بشكل تدريجى وذلك بالإضافة إلى تشكيلها صورة جذابة تساعدها على الاندماج فى النظام الدولى وتقديم نموذج تحتذى به الدول الأخرى فى التنمية، وذلك ما تسعى إليه دول المنطقة العربية بالفعل.

واتخذت الصين خطوات مسئولة فى ذلك الإطار لدعم دول الآسيان خلال رفضها خفض قيمة عملتها بهدف دعم تلك الدول فى ظل الأزمة العالمية، ما أكد دورها كقوة صاعدة تدعم فكرة الصعود والتعايش السلمى.

أن الصين تمكنت،  من إعادة صياغة مبادرة الحزام والطريق بالشكل الذى يتواءم والتحديات التى فرضتها أزمة كورونا وتمكنها هى وروسيا التى عانت من جراء العقوبات الاقتصادية من طرح عملاتهما لتكون ضمن سلة العملات النقدية العالمية

فقد بدأت الصين فى تكوين شبكة هائلة من العلاقات والبنية التحتية الضخمة من سكك الحديد والمواصلات وخطوط للكهرباء تمتد إلى آسيا وإفريقيا وأوروبا. وفى ظل اتباعها لمبدأ “التعايش السلمى” القائم على سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها بدأت تطمئن الدول التى تتعاون معها من إمكانية تحقيق مكاسب مماثلة

مشيرا أن مبادرة الحزام والطريق تعزز الأمن والإستقرار والتنمية والتي تشمل مختلف مجالات التعاون وتحقق الربح للجميع وركزت على 5 دول منها مصر والسعودية والإمارات أن الجانبين العربي والصيني يرتبطان بعلاقات قوية ومتينة وتاريخية تضرب بجذورها في عمق التاريخ.

وأكد السفير علي الحفني أن التعاون العربي الصيني  في إطار المبادرات والمشروعات و تشارك الصين في المناطق الصناعية بالدول العربية لتعزيز المشروعات بها ومنها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والمنطقة الصناعية السعودية الصينية في جازان، والمنطقة التجريبية الصينية الإماراتية للتعاون الطاقوي وغيرها من المشروعات الهامة في الدول العربية بما يعزز أوجه التعاون المشترك.

 

سياسة الإندماج وجهود الوساطة

 

وفي هذا الإطار أوضحت الاستاذة الدكتورة  سالي محمد فريد محمود استاذ الاقتصاد ورئيس قسم السياسة والاقتصاد كلية الدراسات الافريقيةالعليا جامعة القاهرة ” لمجلة استثمارات الإماراتية”

ان التحول الدولي نحو “التفاوض الخشن”، ربما أصبح بمثابة ضرورة ملحة في المرحلة الراهنة، لتهدئة وتيرة الصراعات الدولية، سواء بصورتها الفردية، بين الدول، أو على المستوى العالمي الجماعي، وما يتخلله من منافسات إقليمية، وهو ما يخلق أدوار دولية جديدة، لأطراف تبدو بعيدة، ولو نسبيا، عن دائرة الصراع، بحسب قدرتها على تحقيق أكبر قدر من المرونة في التعامل مع المتغيرات الدولية، حتى وإن كانت محسوبة على معسكر بعينه، عبر تبني مواقف تحمل قدرا من الموضوعية، من شأنها تقديم حلول فعالة للأزمات، تحظى بثقة الأطراف المتصارعة، حتى تتمكن من القيام بدور “وسيط” موثوق” به لتحقيق اختراقات كبيرة في المفاوضات الصعبة

 

مفهوم الوساطة التي تتبنها الدول

 

وتؤكد رئيس قسم السياسات والاقتصاد الدكتورة سالي محمد إن مفهوم “الوساطة” الدولية ليس جديدا في جوهره، في إطار العلاقات الدولية، إلا أن مؤهلات القيام بهذا الدور باتت مختلفة تماما عن الماضي القريب، فلو نظرنا إلى العديد من الصراعات، في العقود الماضية، نجد أن ثمة “وسطاء” لم يتحلوا بالحيادية أو الموضوعية المطلوبة، بحكم الظروف الدولية، والتي تجسدت في محدودية الأدوار الدولية، في ظل حقبة من الهيمنة الأحادية التي سيطرت فيها قوى واحدة على مقاليد الأمور العالمية،

وتشير الدكتورة سالي محمد إلي التغيير الكبير في المشهد الدولي، جراء صعود الدور الذي تقوم به قوى جديدة، أضفى أدوار جديدة، يمكن القيام بها، في إطار عملية “الوساطة”، مع تصاعد الأزمات، وفقدان الثقة في قدرة طرف واحد على تقديم حلول فعلية، ليتجلى في الأفق دور جديد، على الساحة العالمية، وهو “الضامن” الدولي، وهو الطرف الذي من شأنه تحقيق الجدية في عملية “الوساطة”، بين الأطراف المتنازعة دوليا، وهو الأمر الذي بدأت إرهاصاته في العقد الماضي، خلال عملية تفاوض، بين الولايات المتحدة وإيران، والتي سبقت التوقيع على الاتفاق النووى، حيث تجاوز الصيغة الثنائية، بين طرفي الصراع (واشنطن وطهران)، إلى صورة أكثر اتساعا وامتدادا،في إطار وجود أطراف أخرى من الدول الداعمة لكلا الجانبين،

وأكدت  أن الحاجة باتت ملحة في المرحلة الراهنة، للتحول من دور “الوسيط” الدولي، إلى “الضامن”، عبر أطراف من شأنها تجاوز القيادة الدولية، في صورتها التقليدية، عبر القيام بدور أكبر من شأنه تقديم “ضمانات” لتحقيق ما يمكن التوصل إليه من اتفاقات فردية أو جماعية، لحل الأزمات الراهنة، والتي باتت تحمل في طياتها أبعادا عالمية تتجاوز اطرافها الدولية والإقليمية، وهو ما يبدو في الأزمة الأوكرانية وظاهرة التغيرات المناخية، والتي تمثل نماذج مستحدثة، للطبيعة الجديدة للأزمات الدولية

 

 الانفتاح علي القوى المختلفة 

 

وفي هذا الإطار قال الباحث العراقي عباس عبود سالم” لمجلة استثمارات الإماراتية” أن العراق  تحول إلى رقم مهم في جهود الوساطة في عددٍ من الصراعات الإقليمية، حيث تمكن من تحقيق اختراق  عددٍ من الملفات الشائكة وقدرتها على بناء شراكات استراتيجية متنوعة مع عدد واسع من القوى الإقليمية والدولية، وهو ما ظهر في توقيع اتفاق أمني مع أنقرة في 22 أبريل 2024، هو الأول من نوعه بين البلدين لتعزيز دورهما في محاربة الجماعات المسلحة.

وشهدت السنوات الثلاث الماضية توقيع العديد من الاتفاقيات الأمنية بشأن التطورات الميدانية، سواء على الحدود المشتركة، أو على مستوى محاصرة تحركات الفصائل المسلحة ومقاتلي “داعش”. في المقابل، شهدت العلاقات العراقية-الخليجية طفرة غير مسبوقة، وبدا ذلك جلياً، على سبيل المثال، في استعداد العراق، بحسب تقارير عديدة في 9 يوليو 2024، لطرح قانون لحماية الاستثمار السعودي العراقي، ليسهم في دفع مسار التعاون الاقتصادي بين المملكة والعراق..

توسيع نطاق المكاسب الاقتصادية مع القوى الإقليمية والدولية

 

وأكد الباحث عباس عبود أن بغداد  تسعي من خلال توظيف مبادرات الوساطة في الصراعات الإقليمية للحفاظ على العلاقات الاقتصادية، ورفع مستوى التبادل التجاري مع بعض القوى الإقليمية والدولية، حيث يصل حجم التبادل التجاري مع تركيا، على سبيل المثال، إلى نحو 15 مليار دولار، فضلاً عن الرغبة في احتواء الخسائر التي ترتبت على وقف تصدير النفط العراقي منذ مارس 2023 من كركوك وإقليم كردستان، عبر تركيا. كما تمثل العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية وإيران أولوية استراتيجية للعراق، فبينما وصل حجم التبادل التجاري مع الأولى إلى 10.7 مليارات دولار في نهاية عام 2023، فإن العراق يعد أحد أهم الشركاء التجاريين لإيران، حيث يصل حجم التجارة بين البلدين إلى نحو 9.8 مليارات دولار.

 

 

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد