“تحولات مستجدة ” لإنهاء هيمنة الدولار علي الاقتصاد العالمي

أجرته/ رباب سعيد مراسلة مجلة استثمارات الإماراتية شؤون مصر وشمال إفريقيا

 

في ظل الصدمات المتتالية التي تعرض لها الاقتصاد الأمريكي مؤخرا، التي أثرت على معظم الأنشطة الاقتصادية عالميا، يثار التساؤل حول استمرار هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصادي العالمي، وعلى الرغم من أن الدولار هو عملة الاحتياط الرئيسية في العالم، فإنه تتزايد عوامل تراجعه خاصة مع تزايد حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد الأمريكي، بالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة تنظيم النظام المالي والاقتصادي العالمي إلى كتل منفصلة وغير متداخلة، مثل مجموعة “بريكس” أصبح يشكل تهديدا مباشرا على مدى سيطرة الدولار خلال العقود المقبلة

ومع الإقرار بحقيقة أن الاقتصاد الأمريكي لم يعد هذا العملاق الذي كان عليه في السابق فإن الملاحظ اقتصاديا هو استمرار هيمنة الدولار على غيره من العملات للعديد من الأسباب التي تناولها خبراء الاقتصاد علي مستوى العالم العربي

في ضوء التفاعلات الإقليمية والدولية الراهنة ضمن جملة المتغيرات الجيوسياسية، تجددت تلك المحاولات، في وقت تبزغ فيه مجموعة من الشواهد الأساسية المُحركة للمشهد، يأتي في مقدمتها مساعي موسكو وبكين في هذا الصدد بالتعاون مع بلدان أخرى، فضلاً عن التلميح السعودي المرتبط بالتخلي عن “البترودولار” وبما يحمله ذلك من دلالات عميقة تضع مستقبل العملة الأميركية في خطر محدق

الوضع الحالي للدولار

وفي هذا الصدد أكد” الخبير المصرفي سمير النصيري “مستشار رابطة المصارف العراقية لمجلة استثمارات الاماراتية أن  الدولار الامريكي هو العملة العالمية الاولى للتعاملات التجارية الخارجية بين دول العالم

وهو يشكل 80% من حجم التعاملات المالية الدولية ويمثل نحو 60%من عملات الاحتياطيات الدولية وان الدولار هو العملة الوحيدة التي تستوعب معاملات مالية كبيرة في قطاع النفط والطاقة وتداولات النفط العالميةبما تصل الى 100مليون برميل اضافة الى السلع الاخرى والعملات الاخرى تشكل بحدود 20-25%

وأشار” النصيرى” إلي دور الدولار  الذي  يلعب دورا اساسيا  في سيطرة الاقتصاد الامريكي على الاقتصاد العالمي في مجالات متعددة .وان دول عديدة حاولت التخلص من هيمنة الدولار الامريكي في فترات سابقة لكنها لم تستطع .لذلك تم تاسيس مجموعة بريكس والتي تحاول الدول الاعضاء فيها وهي الصين والبرازيل والهند وجنوب افريقيا الى الحد من سيطرة الدولار في التعاملات الدولية التجارية والبنكية واصبحت عدد الدول فيها الان بحدود دول

واضاف “مستشار المصارف العراقية  سمير النصيرى “أن عدة دول  إنضمت و من ضمنها  9 دول عربية كمصر والمملكة العربية السعودية  والامارات العربية المتحدة اضافة الى اثيوبي اثيوبيا   الى المجموعة في عام 2024 وان  من اهدافها الرئيسية هو الحد من هيمنة الدولار على حركة التجارة العالمية والتعاون بين سلطات الضرائب والجمارك لدول المجموعة

التوصل الى استحداث عملة جديدة  لاستخدامها بين دول المجموعة

لفت أن  الحد من هيمنة الدولار  بدأ منذ عام 2023 باعادة تنظيم تمويل التجارة الخارجية بعقد اتفاقيات مع البنوك المركزية التي يوجد للعراق تبادل تجاري واسع معها بالاتفاق مع بنوك رصينة مراسلة في الصين والهند والامارات وتركيا للتعامل باليوان الصيني والروبية الهندية والدرهم الاماراتي والليرة التركية لغرض السيطرة على  تخفيض الطلب الواسع على الدولار وخلق حالة من التوازن في السوق النقدي والحفاظ على القدرة الشرائية للعملة المحلية وهي الدينار العراقي وهذا الاسلوب الان معمول به في العراق   اضافة الى وجود تعامل بالدولار الامريكي

استمرار الهيمنة

وفي هذا السياق أكد ” المحلل الجيوسياسي أسامة الدليل”  رئيس قسم الشؤون الدولية بالاهرام العربي إلي مجلة استثمارات الإماراتية أن اصوات  تعالت منذ سنوات تطالب بأن يكون هناك ( بريتون وودز) أخرى . أو نسخة منقحة منها . لعلاج خلل كبير يتصل بالنظام النقدي العالمي السبب فيه هو هيمنة عملة الدولار الأمريكي على التجارة العالمية و النظام المصرفي العالمي

و أشار” الدليل” إلي نظام بريتون وودز .britton woods وأشار الدليل إلي اتفاق تم عقده في مكان بهذا الاسم بعد الحرب العالمية الثانية عام 1949 أسس لنظام اقتصادي عالمي جديد يقوم على تحديد عملة واحدة للتقويم و التبادل التجاري يساعد دول العالم على التعافي من ويلات الحرب العالمية و كان اساس التقويم في ذلك الوقت يعتمد على الذهب  و كان موقف الدولار من الغطاء الذهبي جيدا آنذاك و كان أيضا الاتفاق هو الأساس لإنشاء البنك الدولي و صندوق النقد الدولي .إلى أن جاء عام 1971 . عندما قررت أمريكا نزع الغطاء الذهبي . عن الدولار من عام 1958 إلى 1971

واضاف المحلل” الجيوسياسي أسامة الدليل” أن هذا النظام فيه من العيوب ما يمكن أن يقضي عليه . و كانت اخطر نقاط الضعف هو السياسات النقدية التي تفضي إلى التضخم الخاصة بدولة اصدار هذه العملة  أمريكا . و كان عام 71 حاسما عندما وجد النظام العالمي نفسه أمام ورقة نقدية مطبوعة . بلا أي سند من الذهب يتم من خلالها تقويم التعاملات الدولية و الأخطر . تقويم عملات باقي الدول التي تغطي عملتها بالذهب !!

كانت المأساة قد بلغت ذروتها عندما تحول الدولار إلى سلعة مطلوبة بشدة في التجارة العالمية و إن كانت ورقة مطبوعة  إذ أصبح الدولار ذاته سلعة . تخضع للعرض و الطلب !!

وأوضح ” رئيس قسم الشؤون الدولية بالاهرام العربي “أن  مع التطورات الخطيرة في العالم و اشتعال الصراعات التي تستند إلى بسط النفوذ على نطاقات جغرافية واسعة أو ما يمكن تسميته الصراعات الجيوسياسة . بات الدولار عنصرا خطيرا في خلق الأزمات السياسية و فقدان دول لاستقرارها و حتى سيادتها الوطنية . فنشات الحاجة إلى ما أطلق عليه الخبراء في العالم ( بريتون وودز 2) . مراجعة شاملة للنظام الاقتصادي العالمي و مؤسساته بما فيها البنك الدولي و صندوق النقد الدولي

وتابع  يكفي أن نضرب مثلا في عالمنا العربي لنوضح الصورة السوداء لهذه الهيمنة الدولارية . مثلا .يتم تقويم الدولار في دولة لبنان بما يعادل 89 الف و 550 ليرة . بينما تعتبر لبنان صاحبة الاحتياط الثاني عربيا من الذهب حيث يبلغ ما تحوزه لبنان 286 طن من الذهب . الاحتياط الثاني عربيا بعد السعودية التي تمتلك 323 طنا . !!

ولفت إلي أن هذا الوضع الحيواقتصادي للدولار دفع بالكثيرين للبحث عن نظام اقتصادي عالمي جديد أكثر عدلا و استقرارا و لكن للاسف لا يمكن تصور إعادة مئات التريليونات من الدولارات المطبوعة إلى الولايات المتحدة حيث لا يمكن الوفاء بقيمتها من الذهب و هي أيضا الدولة الأولى في  المديونية (الداخلية و الخارجية ) فقدارتفع الدين القومي الأمريكي بمقدار قياسي بلغ 347.6 مليار دولار ليصل إلي 35.67 تريليون دولار في يومين مع بداية العام المالي الجديد

 

وحول صعوبة إنهاء هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي . فمن جهة لابد من العودة إلى الذهب كأساس للقيمة في تقدير العملات النقدية المتداولة في النظام الاقتصادي العالمي . و هو أمر لن تتمكن الولايات المتحدة من الوفاء به لكل دول العالم التي تقوم عملاتها على اساس الدولار . و من جهة أخرى فإن القوة العسكرية الأمريكية هي أيضا  الأساس الذي تستند عليه أمريكا في فرض الهيمنة الاقتصادية  بعبارة أخرى . العالم قد يتعرض لحرب نووية كبرى .. من أجل الإبقاء على الدولار كعملة مهيمنة !!!

ونوه إلي أن هناك محاولات جادة من قبل دول العالم لاتمنع  للفكاك من هيمنة الدولار الذي يقف وراء أغلب موجات التضخم شرقا و غربا . و من ذلك أن تعمل تجمعات مثل البريكس على التبادل بالعملات الوطنية  لكن يتبقى أن تقويم العملات المختلفة . لا يزال خاضعا للدولار الأمريكي  أيضا  مسألة العملات المشفرة .. و هي عملات لا تستند إلى قيمة الذهب هي فقط تحاول الفكاك من أسر قواعد البنوك المركزية في العالم .لكنها في النهاية مقومة بالدولار صعودا و هبوطا و الخلاصة  أنه حتى يتمكن العالم من الفكاك من هيمنة الدولار الأمريكي على النظام الاقتصادي العالمي  لا بد اولا من تفكيك الولايات المتحدة الامريكية كاتحاد فيدرالي و كامبراطورية  و هو أمر لا يستبعده اغلب علماء الجغرافيا السياسية  لحسن الحظ

 

هل إقتربت نهاية هيمنة الدولار

 

وفي هذا الصدد  أكد “الدكتور سعد نصار أستاذ الاقتصاد ” و رئيس اتحاد الاقتصاديين الوردنيين العرب إلي مجلة استثمارات الإماراتية  أن الدولار الآن يواجه محاولات مزعزعة لسيطرته وإن دور العملة الأميركية “سوف يتضاءل بشكل كبير خلال العقد المقبل”.فيما لا تزال مزايا الدولار متجذرة بعمق في النظام المالي العالمي”.

وأشار” نصار ” إلي  العديد من البلدان التي  ترغب في الابتعاد عن الدولار حتى لو لم يكن ذلك سهلاً ولا يوجد بديل واضح على المدى القريب”وأن “حصة الدولار من احتياطيات النقد الأجنبي آخذة في الانخفاض، والدول في أنحاء العالم ليس فقط المنافسون للولايات المتحدة مثل الصين ولكن أيضًا دولًا مثل الهند وإندونيسيا وماليزيا وجنوب إفريقيا تستثمر في تقنيات مثل العملات الرقمية للبنك المركزي يمكن أن تجعلهم أقل اعتماداً على الدولار

و أضاف ” الدكتور نصار” أن التجارة الدولية ستظل بالدولار وستظل العملة الأميركية تلعب دوراً رئيساً بها، إلا أنها لن تكون العملة المهيمنة كما هو الحال اليوم”.

فقد أدت العقوبات المفروضة على روسيا وفنزويلا وأفغانستان ودول أخرى إلى تسريع وتيرة تحرك العديد من البلدان لتسوية المعاملات الدولية بعملات غير الدولار والاحتفاظ بحصة أكبر بكثير من احتياطات النقد الأجنبي بعملات أخرى”. وأن “انتقال الدول للاعتماد على عملات البنوك المركزية الرقمية، سيقلل من دور البنوك التجارية الدولية في التسويات الدولية؛ لذلك، فإن نظام سويفت، الذي تسيء الولايات المتحدة استخدامه لأغراض سياسية، سوف يتضاءل تأثيره بشكل كبير”.

التخلي عن الدولار

ولفت إلي اتجاه بعض دول العالم إلى التخلي عن الدولار في المعاملات التجارية عن طريق استبداله بالعملات الوطنية وخاصة في التجارة الثنائية، حيث يُلاحظ أن ذلك التوجه يمثل بديلًا سريعًا، وهو آخذ في الانتشار على الصعيد العالمي، فعلى سبيل المثال يُلاحظ تركيز الصين على زيادة استخدام “اليوان” في تعاملاتها مع الدول الآخرى، حيث أصبحت العملة الصينية تشهد زيادة في استخدامها في التجارة الدولية والاحتياطات، فقد يمثل هذا  انفتاح العديد من الدول على التعامل بالعملات الوطنية  المرتبطة بتسارع محاولات كسر هيمنة الدولار

ومن بين تلك الدول مجموعة البريكس البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، الساعية إلى الحد من اعتمادها على الأخضر الأميركي في تجارتها البينية. ومن بين أبرز الدول التي عبرت عن اهتمامها بالانضمام للتكتل، السعودية والجزائر ومصر والإمارات وإيران.

 

تداعيات الحرب في أوكرانيا

 

وأوضح استاذ الاقتصاد أن تبعات الحرب في أوكرانيا أسهمت بشكل واضح في تعزيز رغبة عديد من الدول في التعامل بالعملات الوطنية في التبادلات التجارية.  فإن “الحرب في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية على روسيا “تدفع بعديد من البلدان في العالم للبدء بالتفكير في أشكال أخرى من التعاون الدولي، ما يزيد بشكل كبير من اهتمام بعض الدول بالتعاون والعضوية في مجموعة البريكس، وهو ما سيقلل آجلاً أم عاجلاً من دور الدولار في نظام المدفوعات الدولية”.

 

وتابع أن “البريكس” تأسست لهدفين؛ أولاً، ضمان التعاون الاقتصادي بين الأعضاء قبل كل شيء، وثانياً تأسيس نموذج فعّال لمعارضة الموقف المهيمن للغرب الذي تقوده واشنطن، مشدداً على أن “مجموعة دول البريكس هي اليوم القوة الوحيدة التي يمكنها معارضة أهداف الغرب والولايات المتحدّة بشكل فعال

 

الدولار عملة التمويل الرئيسية في الأسواق  العالمية

 

ولفت أن الدولار لا يزال يهيمن على التبادل التجاري والمدفوعات العالمية انطلاقاً من حقيقة أن الولايات المتحدة هي القوة الاقتصادية المهيمنة بالعالم مشيراً إلى أنه: منذ نشأة العالم أحادي القطب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، هدد موقف البترودولار اقتصادياً لأول مرة من قِبل الصين؛ حيث سجلت معدلات نمو من رقمين على مدى عقد من الزمان”.

ونوه أن  الأمر ذاته  مع روسيا التي تمتلك إمكانيات هائلة عسكريا واحتياطيات ضخمة من الغاز والنفط والمواد الخام وفوائض الحبوب”. ويضيف: “لم يتوقف الأمر عند مجموعة البريكس، لكن منظمة شنغهاي أعلنت أيضا على لسان أمينها العام في كانون الثاني الماضي، إنشاء “مجموعة خبراء بهدف تنفيذ خارطة طريق لزيادة التسويات المتبادلة بالعملات الوطنية، في وقت تسعى فيه مجموعة البريكس ومجموعة دول أميركا الجنوبية والبحر الكاريبي إلى إنشاء عملات جديدة، وذلك ضمن الشواهد المرتبطة بمحاولات التخفيف من الاعتماد على الدولار”

 

وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول أن”هذه ليست المرة الأولى التي يدور فيها الجدل والتهديد بإنهاء هيمنة العملة الأميركية؛ لكن الأمر صعب على التخيل في الوقت الحالي، وهو ما يبرر شراء الدول لاحتياطي الذهب بكميات كبيرة لمواجهة الصدمات في الأزمات الاقتصادية العالمية، ومكافحة التضخم في ذات الوقت  وأن تتخلى الدول عن الدولار وتبادل النفط بالعملات المحلية في الفترة المقبلة أو حتي المستقبلية

 

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد