الغاز ليس السبب.. سر الأطماع التركية في منطقة شرق المتوسط والتصدي الإقليمي لها
قال كليمنس هوفمان المحاضر والأستاذ الجامعي في جامعة ستيرلينغ الاسكتلندية، إن المواجهة المتصاعدة في منطقة شرق البحر المتوسط آخذة في التصاعدة إلا أنها ليست صراعا على الغاز فقط كما يصفها الكثيرون، مشيرا إلى أنه من الغريب أن تتقاتل دول المنطقة بينما تشهد أسعار الغاز ركودا وتراجعا كبيرا بسبب ضعف الطلب وانسحاب المستثمرين.
وتسائل هوفمان عن سبب الصراع المتصاعد بين تركيا واليونان وقبرص ومصر، والذي يجذب قوى إقليمية وأوروبية أخرى، وذلك عبر تحليل له في موقع ” theconversation”.
وأشار هوفمان إلى أنه تم اكتشاف احتياطيات كبيرة من النفط والغاز في المنطقة منذ عقد من الزمان، تقدر بتريليونات الدولارات.
وأوضح الباحث البريطاني أنه في 13 أغسطس الجاري حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أنه سيكون هناك ثمن باهظ لأي شخص يهاجم سفينة الحفر التركية “أورتش رئيس” التي تقوم بأعمال تنقيب في المتوسط، فيما تعهدت فرنسا على الفور بتقديم دعم عسكري لليونان، بينما اتصلت أنجيلا ميركل بالزعماء اليونانيين والأتراك للمساعدة في تهدئة التوترات، حيث يقترب خصوم بحر إيجة القدامى من الدخول في صراع مفتوح كما كان الحال أثناء الغزو التركي لقبرص عام 1974.
وأضاف “حتى وقت قريب كان الصراع التركي اليوناني حول النفط والغاز مرتبطًا إلى حد كبير بمشكلة قبرص، لكن المواجهة الحالية حولت الصراع بشكل كبير إلى البحر المفتوح، حيث تطالب تركيا بحقوق الاستغلال في منطقة تدعي أنها جرف قاري، أما اليونان تقول أن جميع جزرها المأهولة محاطة بمنطقة اقتصادية خالصة (EEZ) بطول 200 ميل، وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار”.
وقال هوفمان إنه رغم انخفاض أسعار الغاز، إلا أن انهيار أسعار الغاز طغى على انهيار الليرة التركية، فأنقرة متعطشة للنمو القائم على النفط والغاز وتحتاج بشكل عاجل إلى مزيد من العملات الأجنبية لدعم عملتها ، بعد أن اعتمدت مؤخرًا على الدولارات من قطر، وفي هذا السياق ، يبدو السعي وراء ثروة الطاقة أمرًا بديهيًا.
وأوضح هوفمان أنه إلى جانب ذلك يتطلب التنقيب عن الغاز وإنتاجه، خاصةً في قاع البحر، استثمارات ضخمة مسبقًا بغض النظر عن التكلفة الجيوسياسية، لذا ليس من المستغرب أن تفضل إسرائيل الآن الطاقة الشمسية على محطات الطاقة التي تعمل بالغاز، بينما توقف الحفر القانوني قبالة قبرص تمامًا.
وقال استاذ العلاقات الدولية إن تركيا تدعي دون رادع أن موقفها دفاعي أكثر من كونه توسعيًا، لكن بعض المعلقين يشيرون إلى إستراتيجيتها “مافي فاتان” (الوطن الأزرق) في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهي أن أنقرة تسعى إلى تحقيق الهيمنة البحرية، ما يعني مراجعة الحدود المتفق عليها في معاهدة لوزان لعام 1923.
وأضاف “يُنظر إلى التزام تركيا المستمر تجاه قبرص التركية بجانب إدخال الليرة إلى أجزاء من شمال سوريا التي تسيطر عليها، كدليل واضح على تحركات تركيا التي تتخطى أمر الغاز في المنطقة، حيث يصر أردوغان أقل على الاستيلاء على الأرض وتوظيف ورقة الطاقة لخدمة هذا الأمر”.
وأكد الخبير في شؤون الشرق الأوسط، أن التحركات التركية أدت إلى تحفيز الخصوم المحتملين، بما في ذلك اليونان وقبرص ومصر وفرنسا وكذلك العراق، حيث تشن القوات التركية عملية كبيرة ضد حزب العمال الكردستاني الكردي، وإلى جانب هؤلاء أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة رأس حربة لهذا التحالف.
وقال هوفمان إن دول الخليج ومصر تتعرض للتهديد من موقف تركيا وقطر المؤيد لجماعة لإخوان المسلمين، بالإضافة إلى اتفاقيات التعاون العسكري، بما في ذلك الاتفاق أمس على إنشاء قاعدة بحرية في في مصراتة الليبية، إلا أن الإمارات من بين الدول التي تتصدى للتحركات التركية في ليبيا.
كذلك يمكن رؤية اتفاق السلام الإماراتي مع إسرائيل في ضوء هذا التوسّع التركي، ولكن إذا كانت إسرائيل تدعم التحالف ضمنيًا، فإن قوة أخرى في البحر الأبيض المتوسط دخلت على الخط وهي فرنسا، فلم تكن زيارة إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي إلى بيروت مصادفة بأي حال من الأحوال عقب الانفجار الذي دمر العاصمة، وذلك وفقا لهوفمان.
وقال الخبير البريطاني إن ماكرون والإمارات العربية المتحدة تعهدوا بالمشاركة في تمويل الأضرار الناجمة عن انفجر مرفأ بيروت واستباق محاولة تركيا القيام بهذا الأمر، ولدى فرنسا الآن اتفاقيات عسكرية مع الإمارات واليونان وقبرص ومصر، وكلها موجهة نحو كبح تصرفات تركيا الزميل في حلف شمال الأطنطي “ناتو” ومرشح الاتحاد الأوروبي.
وأضاف “بينما تُركت برلين تحاول الوصول إلى توازن في المواجهة بين اليونان وتركيا فإن واشنطن، الضامن التقليدي للسلام بين خصوم الناتو في بحر إيجه ، كانت صامتة تمامًا تقريبًا، فهناك شعور بأن جميع الأطراف ترغب في الاستفادة من هذا الأمر في الداخل والخارج أيضا قبل الانتخابات الأمريكية.
وأكد هوفان أن أن هذا الفراغ الجيوستراتيجي وليس الوقود هو الذي يؤجج الخصومات الإقليمية لذا مع انسحاب الولايات المتحدة واستمرار موسكو في سياسة حافة الهاوية المبهمة وانقسام الاتحاد الأوروبي حول تركيا، فإن المشهد مهيأ لمزيد من عدم الاستقرار في المستقبل.
التعليقات مغلقة.