“العصر الذهبي” للصناعات الدوائية وهيمنة القوى العظمي علي السوق العالمي

أجرته/ رباب سعيد

مراسلة مجلة استثمارات الإماراتية شؤون مصر وشمال إفريقيا

 

بعد تفشي فيروس كوفيد  19 أصبح تطوير صناعة الأدوية مسألة حتمية لا غنى عنها إذ كان هناك تصور في ذلك الوقت بأنه بدون علاجات جديدة وبخاصة اللقاحات سيظل العالم عالقاً في حلقة مفرغة من الإعاقات والأزمات المتتالية. وعليه أصبحت شركات الأدوية محط أنظار الحكومات والجمهور العادي في توقيت شديد الحساسية، وهو ما زاد من حجم الضغوط على شركات الأدوية الكبرى لتقديم نتائج سريعة

 

ومنذ ذلك الوقت وعلى مدار السنوات الماضية والمتتالية  زاد الزخم حول الصناعات الدوائية عالمياً، مصحوباً برغبة العديد من الحكومات في توطين صناعاتهم في ذلك القطاع الحيوي، لتفادي أي هزات يمكن أن تنجم عن تفشي الأوبئة أو الفيروسات في المستقبل، وكذلك لتعزيز الصحة العامة وتجنب أي أزمات صحية كبرى من شأنها أن تضغط على النظم الصحية بالدول. حتى بات يطلق على الفترة التي نعايشها بـ”العصر الذهبي للطب”، في ظل صعود علاجات جديدة وتذليل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في ابتكار أدوية جديدة

صناعة استراتيجية

وفي هذا السياق أكد الدكتور  “علي عوف” رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية” لمجلة الاستثمارات الإماراتية”

أن صناعة الدواء تعتبر من الصناعات الاستراتيجية الكبرى التي لا تستغني عنها أي دولة، نظراً لتأثيرها على التنمية والإنتاج، ومساهمتها في ازدهار الاقتصاد، وزيادة معدلات النمو.

فمن بداية  عام 1952، أولت مصر اهتماماً كبيرا لتحقق اكتفاء ذاتيا من الدواء، حيث وصل إلى أكثر من 90% (2012/2013) ، فيما يتم تصدير الدواء المصري إلى عديد من الدول خاصة العربية والإفريقيةوتبلغ صادرات الدواء  المصري نحو 300 مليون دولار تقريبا وهو رقم ضعيف مقارنة بصادرات دول أخرى في المنطقة

وأشار” عوف” إلي أن  اهتمام الحكومات بصناعة الدواء يرجع لحرصها الواسع على تعزيز قدراتها وإمكانياتها في هذه الصناعة إلي توطين الصناعة و تولي كثير من دول العالم اهتماماً كبيراً بالصناعات الدوائية لأسباب استراتيجية تتعلق بالحاجة الملحة نحو تقليل الاعتماد على الخارج في العلاجات الحيوية، ويتجلى هذا الاهتمام من خلال بث الحكومات استثمارات كبيرة في البنية التحتية الطبية، وتقديم سياسات حكومية داعمة وعقد شراكات عالمية مع شركات الأدوية الرائدة

وتحسين النظام الصحي والوقاية من الأمراض  وتدرك الدول أن تطوير قطاع الصناعات الدوائية محلياً يسهم بشكل كبير في تحسين النظام الصحي والوقاية من الأمراض، ومن هذا ترمي الحكومات إلى ضمان توافر الأدوية الأساسية والمبتكرة لكافة المواطنين والمقيمين على أرضها، وبناء قدرات محلية في تصنيع الأدوية

وأضاف الدكتور “علي عوف ” أ ن  ضمان الاستجابة السريعة والفعالة مع الأوبئة تدفع جهود الحكومات نحو تعزيز صناعتها الدوائية، إلى تسريع استجابة تلك الدول للأوبئة والطوارئ الصحية على نحو فعال، ومن ثم زيادة قدرة الدول على حماية صحة سكانها في الظروف الحرجة

وأوضح “رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجاري ” أن جائحة كوفيد-19  كشفت عن دور الصناعة الدوائية القوية في بعض الدول، وتأهب كثير من البلدان لحالات الطوارئ، في تعزيز دبلوماسيتها الصحية. ومن ذلك الحين، تستخدم الدول الصناعات الدوائية كأداة لتعزيز نفوذها الدولي من خلال الدبلوماسية الصحية، وذلك عبر تقديم المساعدات الطبية والتبرع بالأدوية واللقاحات للدول الأخرى. إذ من شأن ذلك أن يُظهر التزام الدول بالصحة العالمية، ويدعم الصورة الدولية للدول بما يسهم في بناء تحالفات وشراكات استراتيجية قوية

وتابع أن  مساهمة الصناعات الدوائية في الاقتصاد العالمي  يعود إلى  العوائد الضخمة لصناعة الدواء عالمياً، فإن تلك الصناعة الحيوية تسهم بشكل كبير في توفير ملايين فرص العمل سنوياً، وكذلك فإن استثمارات بعض الدول في هذه الصناعات غالباً ما تسهم في تحقيق نمو اقتصادي ملحوظ في بعض البلدان الرائدة في تلك الصناعة، بفضل عائدات الصادرات المرتفعة للأدوية

ولفت إلي دور الصناعات الدوائية كمحرك أساسي للبحث العلمي وأن  الصناعة تلعب دوراً بارزاً في تعزيز البحث والتطوير، بما يعزز الابتكار العالمي بالشكل الذي ينعكس إيجابياً على الاقتصاد العالمي، حيث تستثمر شركات الأدوية مبالغ طائلة في تطوير أدوية جديدة وتحسين الأدوية الحالية، بما يسهم بدوره في التوصل إلى اكتشافات علمية تسهم في فهم أفضل للأمراض وتطوير علاجات فعالة

وحول  تطوير صناعات دوائية صديقة للبيئة ومستدامة يأتي في إطار الهدف العالمي الرامي لبلوغ صافي صفر انبعاثات كربونية خاصة أن   الحكومات وشركات الأدوية على السواء تتجه نحو إنتاج وتطوير صناعات دوائية صديقة للبيئة ومستدامة، من خلال تبني أحدث التقنيات والابتكارات في هذا المجال، بما في ذلك استخدام تقنيات التصنيع النظيفة، وإدارة النفايات بشكل فعال، وضمان استخدام الموارد بشكل مستدام.

ونوه  أن انخفاض تكاليف إنتاج الدواء على مدى السنوات القليلة الماضية يعود إلي   التطورات الرئيسية في البحث والتطوير الدوائي التي  بدأت في تغيير مشهد البحث والتطوير، حيث أضحى هناك عدد متزايد من مصنعي الأدوية حريصين على تطوير قدراتهم في البحث والتطوير، والاستعانة بمنظمات الأبحاث السريرية، وكذلك منظمات الأبحاث التعاقدية، مما ساهم بشكل كبير في خفض تكاليف إنتاج الدواء.

استراتيجية التطوير الدوائي

وفي هذا الصدد أكدت” الدكتورة سلمي بدر”  الخبير التسويقي ” لمجلة الاستثمارات الإماراتية ” أن هناك إنفاق عالمي متزايد على البحث والتطوير ففي عام 2022، قدر إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير في صناعة الأدوية بحوالي 244 مليار دولار أمريكي على مستوى العالم. وهي زيادة بمقدار الضعف تقريباً مقارنة بحجم الإنفاق على البحث والتطوير في تلك الصناعة في عام 2012، والذي بلغ نحو 137 مليار دولار

و أشارت إلي  دولة الإمارات العربية المتحدة تعد من أبرز الدول المهتمة بتعزيز صناعتها الدوائية المحلية وذلك في ضوء تزايد الإنفاق على الرعاية الصحية

ففي إمارة أبوظبي  أصبحت صناعة الأدوية  مساهماً كبيراً في إنتاج الأدوية في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث بلغت مساهمتها نحو 27% في عام 2021. هذا وبلغت قيمة الإنتاج في قطاع الأدوية في أبوظبي في ذلك العام نحو 284 مليون دولار. في ضوء اهتمام الدولة الصاعد بتلك الصناعة، فمن المتوقع أن تصل حصة الأدوية المسجلة في سوق الأدوية التي سيتم وصفها في دولة الإمارات العربية المتحدة بحلول عام 2030 لنحو 77%

وأضافت ” بدر” أن إمارة أبوظبي تتبني  استراتيجية صناعية  لتطوير  ودعم نمو وتنافسية قطاع الأدوية. وتتضمن الاستراتيجية استثمار 10 مليارات درهم من قبل حكومة أبوظبي لمضاعفة حجم القطاع التصنيعي ليصل إلى 172 مليار درهم، وزيادة الصادرات غير النفطية بنسبة 148% إلى 178.8 مليار درهم، وإيجاد 13600 وظيفة بحلول عام 2031. هذا وترمي الاستراتيجية إلى جعل إمارة أبوظبي مركزاً إقليمياً للابتكار والتصنيع في صناعة الأدوية، بما في ذلك تصنيع المنتجات الصيدلانية الأساسية والمستحضرات الصيدلانية، كما يشمل تصنيع المنتجات الكيميائية الطبية والنباتية الطبية

وأوضحت “الدكتورة سلمي بدر ”  أن  الإمارات تبذل جهودا  لتطوير صناعات دوائية صديقة للبيئة من خلال تبني أحدث التقنيات والابتكارات في هذا المجال، بما يتماشى مع رؤية الإمارات 2021 و2030، التي تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة توازن بين التقدم الاقتصادي وحماية البيئة

 

نماء الصناعات الدوائية بالعالم

وفي هذا الشق قالت “الدكتورة رنا الديب ” الخبيرة الكميائية في الصناعات الدوائية ” لمجلة الاستثمارات الإماراتية  أن السوق الدوائي العالمي  شهد تطورا كبيرا في السنوات الاخيره بنسبه نمو متوسطه قدرت ب ٩ %سنويا ويمكن ارجاع هذا التطور الملحوظ سواء من ناحيه حجم السوق او نسبه النمو الي  الزياده في الكثافه السكانيه التطور النسبي في مستوي الرعايه الصحيه ،نمو الوعي لدي الافراد في ما يتعلق بالتداوي حتي علي مستوي الدول الناميه والاقل نموا  تفشي الامراض وبخاصه الامراض المزمنة ك السكر وامراض القلب

حــيــث تـــقـــدر تـكـلـفـة الأبـــحـــاث بــــ 14 % مـــن رقــــم الأعـــمـــال وهــــي نـسـبـة مـرتـفـعـة إذا مـــا قـــورنـــت بـصـنـاعـات أخرى

و تعمل الشركات على الاستغلال الأمثل للدواء في مدة تكون كافية لاسترجاع التكاليف وتحقيق أربــاح وتستعمل بــراءات الاختراع لحماية الأدويــة وبعد سقوط البراءات تصبح الأدوية قابلة للنسخ وتصبح 40 بالمئة من مبيعات الأدوية الأصلية مبيعات أدوية جنيسة 30 إلى 50 بالمئة أقل من سعر الدواء الأصلي وقد اتجهت عدة دول نامية إلى بناء صناعة دوائية قائمة على الأدوية الجنيسة لما توفره من أدوية كافية وبأسعار مناسبة

 

و شهدت صناعة الأدوية تطوراً ملحوظاً على مدى العقود الأخيرة، حيث شهدت تقنيات التصنيع والبحث والتطوير تحولات جذرية، مما أدى إلى زيادة كبيرة في توفير العلاجات وتحسين جودتها وفعاليتها. من بين الأمثلة الملموسة على هذا التطور الهائل هو استخدام تقنيات الحمض النووي المتنوعة (DNA) والتكنولوجيا الحيوية في إنتاج الأدوية.

 

الاتجاه التصاعدي لصناعة الدواء عالمياً

 

أكدت  الخبيرة الكيميائية  “رنا الديب” أن هيمنة السوق الأمريكية على نصف مبيعات السوق العالمية  ففي عام 2023، شكل سوق الأدوية الأمريكي نحو 51% من سوق الأدوية العالمي، بإجمالي مبيعات قُدرت بنحو 678 مليار دولار أمريكي، فيما استحوذت الأسواق الناشئة على ما نسبته 23% من حجم مبيعات السوق، والتي تشمل دولاً مثل الصين وروسيا والبرازيل والهند، بينما بلغت مبيعات أوروبا نحو 19% من سوق الأدوية العالمية، حيث ولدت حوالي 250 مليار دولار أمريكي في العام ذاته

وأشارت” الديب ”  إلي نمو إيرادات سوق الأدوية العالمي فقد  شهد سوق الأدوية العالمي نمواً كبيراً في السنوات الأخيرة، وفي عام 2023 قدر إجمالي سوق الأدوية العالمي بنحو 1.6 تريليون دولار أمريكي، وهو ما يمثل زيادة تتجاوز الـ 100 مليار دولار مقارنة بعام 2022. كما تمثل زيادة ضخمة مقارنة بحجم إيرادات سوق الأدوية عالمياً في عام 2001، والذي قُدر فحسب بـ390 مليار دولار

وأضافت أن هناك  إنفاق عالمي متزايد على البحث والتطوير: ففي عام 2022، قُدر إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير في صناعة الأدوية بحوالي 244 مليار دولار أمريكي على مستوى العالم. وهي زيادة بمقدار الضعف تقريباً مقارنة بحجم الإنفاق على البحث والتطوير في تلك الصناعة في عام 2012، والذي بلغ نحو 137 مليار دولار

وأوضحت أن  ألمانيا أكبر مصدر للمنتجات الطبية في الاتحاد الأوروبي: من بين دول الاتحاد الأوروبي؛ فإنه قد حققت ألمانيا في عام 2023 أعلى صادرات خارج الاتحاد الأوروبي بقيمة (62 مليار يورو)، تليها بلجيكا (43 مليار يورو)، وأيرلندا (37 مليار يورو)، لتكون بذلك ألمانيا هي أكبر مصدر للمنتجات الطبية خارج الاتحاد الأوروبي، كما يشير ذلك بنحوه إلى الاهتمام الأوروبي بلعب دور صاعد في هذه السوق الحيوية عالميا

تحديات الصناعة

ساهمت جملة من العوامل في تحفيز كثير من دول العالم على تعزيز صناعاتها الدوائية، وتكثيف الإنفاق على البحث والتطوير في هذا المجال الحيوي، والعمل على الوصول إلى منتجات دوائية مستدامة بيئياً، والاستفادة من التقنيات الحديثة في اكتشاف عقاقير وأدوية جديدة لعلاج الأمراض المستعصية. ومن المتوقع أن تشهد الصناعة خلال الأعوام الخمس المقبلة مزيداً من الجهود من قبل الحكومات والشركات، بما سينعكس إيجاباً على حجم إيرادات سوق الأدوية العالمية، ومساهمتها في الاقتصاد العالمي.

 

غير أن ذلك النمو يفرض ضرورة التعامل مع تحديات الصناعة على نحو إيجابي، عبر تبني استراتيجيات مرنة وابتكارية من قبل الشركات العاملة في هذا المجال، بالإضافة إلى التعاون الوثيق مع الحكومات والمؤسسات الصحية من أجل الاستجابة المثلى لمتطلبات الأنظمة الصحية في مختلف البلدان

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد