الشيخ محمد بن زايد.. والاستثمار الثقافي في الإنسان
يعد الجانب الثقافي بأبعاده المعرفية والإنسانية، علامة راكزة في الاستراتيجية الطموحة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، حيث تبقى الثقافة هي المنبع الأساس لروافد التنمية المستدامة وتفرّعاتها، وهي الضوء الملهم الذي تسترشد به الشعوب لرسم خريطة المستقبل، واستشراف تحديات القادم وسط عالم متغيّر سياسياً واقتصادياً وتقنياً.
ينظر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للعنصر البشري كقيمة كبرى لا يمكن التفريط بها، خصوصاً وأن أي تغيير إيجابي في المنظومة الحياتية للمجتمعات لابد وأن ينطلق من وعي إنساني مستنير وقادر على النفاذ إلى أصل الإشكالات والعقبات، ومن ثمّ قراءتها وتحليلها، للوصول إلى مقترحات وحلول تتخطى هذه الإشكالات وتتجاوزها، وبذلك يكون التفكير الفردي في كثير من الأحيان مفتاحاً للخلاص الجماعي، ويتجسّد هذا التأثير الممتد من الذات إلى المجموع في عبارة حاضرة لسموه، يقول فيها: «إن عملية بناء الإنسان في المحصلة النهائية، هي عملية بناء للأوطان، وغرس أعظم الأشرعة على شاطئ الحياة الحرّة والآمنة والمستقرّة».
بهكذا توجّه يصبو له سموه ويسعى لترسيخه في الوجدان الجمعي، فإن بناء الإنسان – كما يرى سموه – هو عمل وثيق الصلة بأنساق الثقافة المتعددة بأنماطها وأشكالها وتمظهراتها، مثل الثقافة التعليمية، والثقافة التربوية، والثقافة الأخلاقية، وهي أنساق لابد من توافرها مسبقاً قبل أن يشرع العنصر البشري في ترجمة الخطط والاستراتيجيات التنموية إلى واقع محسوس وملموس ومثمر.
استطاع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان النفاذ إلى لبّ وجوهر الثقافة الإنسانية، واستخراج قيمها الذهبية المتمثلة في التسامح والتعايش والاعتدال وتقبّل الآخر، مستثمراً القوة الناعمة للثقافة لتحويل أرض الإمارات إلى واحة أمن ورخاء وازدهار، غارفاً من إرث الدولة العريق القائم على التعارف والتواصل مع الشعوب القريبة والبعيدة، ومستلهماً حكمة وبصيرة الراحل الكبير المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، ومن رؤى قائد التمكين المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «رحمه الله».
في عبارة أخرى مضيئة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» يقول فيها: «ننظر للإنسان باعتباره أعظم ثروة تملكها الإمارات، وأنه هو رأس المال الحقيقي لهذا الوطن المعطاء»، نرى توجّه سموه الواضح للاستثمار في الإنسان معنوياً وفكرياً وثقافياً، قبل أي استثمار مادي لاحق، وينظر سموه للإنسان كقيمة حضارية تحقق حضورها وتأثيرها من خلال معادلة متوازنة يتداخل فيها الانفتاح على الآخر مع الحفاظ على مكتسبات الهوية والذاكرة المحلية، حيث يشير سموه إلى أن العلم والثقافة جزء لا يتجزأ من إرثنا الحضاري، ومن العملية التنموية، ومن بناء الإنسان الواثق بنفسه، دون التنكّر للقيم والأصالة والتراث.
لقد تجسدت الطموحات الثقافية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في رعايته ودعمه للكثير من المشاريع الخلّاقة والمبتكرة والفريدة في طابعها ومضمونها، والتي حظيت من خلالها دولة الإمارات بترحيب عالمي يشيد بتجربة الدولة النموذجية فيما يخص الصناعات الثقافية، والسياحة المعرفية، لأنها مشاريع تختزن نور الثقافة وألقها ضمن سيرورة تاريخية تنطلق من الماضي وتصل إلى الحاضر وتستشرف المستقبل، ونذكر من هذه المشاريع أو الأيقونات الثقافية الشامخة، متحف زايد الوطني، ومتحف اللوفر أبوظبي، ومتحف غوغنهايم أبوظبي، ومنارة السعديات، والمجمع الثقافي بأبوظبي، وقصر الحصن، وبيت العائلة الإبراهيمية، والمسرح الوطني، ومتاحف مدينة العين ومراكزها الفنية، وأكاديمية الشعر، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، ومركز أبوظبي للغة العربية، وغيرها من المشاريع المحتضنة للفعاليات الفنية والتاريخية والأدبية والسينمائية، ومشروع «كلمة» للترجمة بوابة التواصل الحضاري، وجسر معرفي لحوار الثقافات والحضارات.
ولقد عبّرت كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عند افتتاحه لمتحف اللوفر أبوظبي عن أبعاد مهمة تتعلق بالاستراتيجية الثقافية عندما قال سموه حينها: «إن رسالتنا التي نوجهها اليوم للعالم كله من خلال افتتاح هذا الصرح الثقافي والعالمي في دولة الإمارات العربية المتحدة، هي أن الثقافة كانت ولازالت جسراً للتواصل والتعارف والحوار بين الشعوب والحضارات، وليست مصدراً للصدام أو الصراع كما يتوهم المتطرفون والمتشددون».
رأينا ظلال وأصداء الحس الإنساني الراقي لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، في توجيهاته لتشييد بيت العائلة الإبراهيمية، ذات الرمزية الدينية العميقة الأثر والتأثير، حيث تتعانق الرسالات السماوية في أرض طالما احتضنت التنوع الثقافي في جنباتها دون تعصب أو كراهية أو انغلاق، وهذا التنوع تعكسه الجغرافيا المتباينة والثرية في دولة الإمارات والمتمثلة في البيئات البحرية والصحراوية والجبلية، وتعكسه أيضاً التقاليد الشعبية الراسخة في المكان، مثل إكرام الضيف والاستئناس بالزوار وتبادل الخبرات والمنافع في طريق القوافل التجارية القديمة والموانئ البحرية والحدود المفتوحة.
وجاء توجيه سموه لتشييد البيت الإبراهيمي تخليداً لذكرى الزيارة التاريخية المشتركة بين قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، لدولة الإمارات، وإطلاقهما من أبوظبي «وثيقة الأخوة الإنسانية»، والمجسّدة للمقولة القرآنية: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير».
ويسعى سموه من خلال هذا البيت المحتشد بالدلالات والإشارات الإيجابية إلى ترسيخ ثقافة التصالح والتآخي ونبذ المفاهيم المغلوطة والانتقائية المتمحورة حول صراع الأديان والعقائد والمرجعيات، إنه بيت يشعّ بالألفة الإنسانية لتدشين عهد عالمي جديد يتجاوز أخطاء الماضي ويشرع أبواباً ونوافذ مشرعة على المحبة والتعاون المشترك بين المجتمعات الإنسانية، بعيداً عن المصالح الضيقة والأنانية الشعبوية والعنصرية الدينية، ووصولاً لحالة مستدامة من التعايش السلمي، والتآخي البشري، والتنوع الإيجابي.
التعليقات مغلقة.