السعودية تنجح في قيادة مجموعة العشرين كجبهة موحدة تعمل على استعادة الزخم الاقتصادي الدولي رغم الظروف الاستثنائية العاصفة
بنهاية شهر يوليو الجاري تكون المملكة العربية السعودية قد أمضت نحو ثمانية أشهر على رأس مجموعة العشرين التي تعد المنتدى الرئيس للتعاون الاقتصادي الدولي، وتضم أكبر الاقتصادات على مستوى العالم لمناقشة القضايا المالية والقضايا الاجتماعية والاقتصادية.
وبينما تمثل دول مجموعة العشرين 90% من الناتج الإجمالي العالمي وثلثي سكان العالم، فإن المملكة العربية السعودية باتت أول دولة عربية تقود وتتولى أعمال رئاسة المجموعة، وذلك وسط اضطرابات وأنواء تكاد تعصف بالاقتصاد العالمي، وتقوده إلى مآلات ضبابية المعالم جراء التفشي الواسع لفيروس كورونا المستجد.
وخلال الأشهر الثمانية المنصرمة، أظهرت المملكة قدرات غير عادية في قيادة أعمال المجموعة خلال حقبة استثنائية من تاريخ البشرية، وتمكنت باقتدار مشهود من تطويع أدوات عمل المجموعة لصالح دعم الاستقرار الاقتصادي وتفعيل أدوات التنمية المستدامة، ودعم برامج المجموعة المرتبطة بتمكين المرأة والشباب، والحفاظ على البيئة، وتعزيز رأس المال البشري، وتعزيز عمليات تدفق التجارة والاستثمارات والتحول الرقمي، كما امتلكت المرونة الكافية للمناورة والتعامل المسؤول مع الأزمات غير المتوقعة التي باغتت العالم بفعل تفشي وباء كورونا.
ففي السادس والعشرين من شهر مارس الماضي تصدرت المملكة المشهد الدولي بدعوتها لعقد قمة القادة الاستثنائية الافتراضية لمجموعة العشرين تحت رئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – أيده الله –، التي استهدفت دعم الاقتصاد العالمي خلال أزمة كورونا، وتعزيز الاستجابة السريعة للقطاعات الأكثر تضررًا، وكان من أبرز نتائج أعمالها إعلان دول المجموعة عن الالتزام بتقديم مبلغ خمسة تريليون دولار للاقتصاد العالمي، وتقديم ما يلزم من الدعم للدول الفقيرة.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل امتد أيضا لقيام خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- بدعوة دول مجموعة العشرين والمجتمع الدولي بأسره ومؤسسات المجتمع المدني القطاع الخاص لدعم مبادرة المملكة، الرامية لسد الفجوة وتمويل المنظمات الصحية العالمية التي تحتاج تقريباً لـ 8 مليارات دولار كدعم فوري لمواجهة جائحة كورونا، ولإجراء الأبحاث التي يحتاجها العالم لمواجهة هذه الجائحة، وكان نصيب المملكة من تلك المساعدات نحو 500 مليون دولار أمريكي، خصصت منه نحو 200 مليون دولار أمريكي لدعم منظمة الصحة العالمية في مكافحة الوباء على مستوى العالم، و150 مليون دولار أمريكي لدعم التحالف العالمي للقاحات والتحصين (GAVI) للحصول على لقاح لمساعدة الدول المحتاجة، و 150 مليون دولار أمريكي لدعم التحالف الدولي للاستعداد للوباء والابتكار (CEPI) في تطوير اللقاح، إضافة لتقديم 10 ملايين دولار أمريكي لدعم صندوق منظمة الصحة العالمية لدعم البلدان ذات النظم الصحية الهشة.
وقبيل نحو عشرة أيام، وتحديدًا في التاسع عشر من شهر يوليو الجاري، كشفت مجموعة العشرين، عن تقديمها نحو 10 تريليونات دولار لدعم الاقتصاد العالمي، كما أفصحت عن ضخ 21 مليار دولار لسد عجز تمويل الفجوة الصحية دولياً وضمان تدفق الأدوات والوسائل الصحية اللازمة.
وامتدادًا لجهود المجموعة تحت قيادة المملكة للتخفيف من حدة التأثيرات الناجمة عن تفشي الوباء، اتفقت مجموعة العشرين في الخامس عشر من شهر إبريل الماضي على تعليق مدفوعات خدمة الدين لفترة زمنية محددة للدول الأكثر فقراً، وهي المبادرة التي تقدمت لها أكثر من 42 دولة من بينها 26 دولة إفريقية، حيث يقدر إجمالي مدفوعات خدمة الدين المستحق في عام 2020 المقرر تأجيلها نحو 5.3 مليار دولار، وذلك لتمكين تلك الدول من تسخير جميع إمكانياتها لمكافحة فيروس كورونا وتخفيف آثاره الاقتصادية.
والتزمت مجموعة العشرين منذ تدشينها على تقليدًا راسخًا للعمل مع مجموعة واسعة النطاق من المنظمات لوضع وجهات النظر المختلفة بشأن التحديات المالية والاجتماعية الاقتصادية على طاولة مباحثات المجموعة من خلال تشكيل ثمانية مجموعات للتواصل تضم مجالس مستقلة تقودها منظمات من المجتمع المدني في البلد المضيف. وتعمل هذه المنظمات مع نظرائها من دول مجموعة العشرين لوضع توصيات متعلقة بالسياسات تُقَّدم رسميًّا إلى قادة مجموعة العشرين للنظر فيها.
وتشمل تلك المجموعات كل من: مجموعة الأعمال التي تمثل القطاع الخاص، ومجموعة الشباب التي تجمع القيادات الشابة، ومجموعة العمال التي تضم النقابات العمالية، ومجموعة الفكر التي تضم شبكة من مراكز الفكر والباحثين، ومجموعة المجتمع المدني التي تمثل المنظمات المعنية بهذا الملف، ثم مجموعة المرأة، ومجموعة العلوم، وأخيرا مجموعة المجتمع الحضري.
وفي غضون ثمانية أشهر من رئاسة المملكة لأعمال مجموعة العشرين ترأست الرياض نحو 115 اجتماعًا ومعرضًا وورشة عمل وندوة لتغطية كافة الأنشطة الاقتصادية والمالية والإنسانية التي يشملها جدول أعمال سنة الرئاسة، ومع بداية شهر أغسطس المقبل سوف تترأس المملكة أكثر من 60 اجتماعًا جديدًا على امتداد ما تبقى من هذا العام لاستكمال روزنامة عمل المجموعة، وذلك حتى نهاية شهر نوفمبر المقبل وهو الموعد المقترح لالتئام القمة المرتقبة لقادة مجموعة العشرين، بحضور ممثلين عن منظمة الأغذية والزراعة، ومجلس الاستقرار المالي، ومنظمة العمل الدولية، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والأمم المتحدة، ومجموعة البنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد العربي، والبنك الإسلامي للتنمية، وفيتنام بصفتها رئيسًا لرابطة دول جنوب شرق آسيا، وجنوب أفريقيا بصفتها رئيساً للاتحاد الأفريقي، والإمارات العربية المتحدة بصفتها رئيسًا لمجلس التعاون الخليجي، والسنغال بصفتها رئيسًا للشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا.
وأثبتت المملكة العربية السعودية خلال الأشهر التي قادت فيها هذا العمل الاستثنائي جدارتها برئاسة مجموعة العشرين بشهادة الدول الأعضاء وغير الأعضاء، كما حظيت مبادراتها بترحيب دولي واسع من قبل المؤسسات المالية الدولية والمنظمات الأممية، وذلك بعد أن عملت دول المجموعة تحت قيادة المملكة على استعادة التوازن الاقتصادي الدولي، ووفرت آليات للعمل على الحد من التأثيرات السلبية على القطاعات الإنتاجية والخدمية مثل الزراعة والسياحة والتجارة، كما عملت على اتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان انتظام سلاسل الغذاء وعدم فرض قيود على الصادرات الغذائية والزراعية والطبية سعيًا للحد من مضاعفات تأثير وباء كورونا على الدول الأقل دخلا، واستخدمت المملكة ثقلها الدولي وقدراتها المالية في سبيل ذلك حيث تُعدّ المملكة العربية السعودية لاعبًا رئيسًا في المنطقة، كما تؤدي دورًا مهمًّا في استقرار الاقتصاد العالمي. وترتبط رؤية السعودية 2030 ارتباطًا وثيقًا بجوهر أهداف مجموعة العشرين من حيث التركيز على الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة وتمكين المرأة وتعزيز رأس المال البشري وزيادة تدفق التجارة والاستثمارات.
ومن المقرر أن تكون قمَّة قادة مجموعة العشرين في عام 2020م هي الاجتماع الخامس عشر لمجموعة العشرين، وستتوجه أنظار العالم إلى مدينة الرياض التي تستضيف القمة المقررة في 21-22 نوفمبر 2020م، وستكون هذه المرة الأولى التي تستضيف فيها المملكة هذه القمة في تاريخها.
التعليقات مغلقة.