الدكتور شكري السعدي: الترجمة جسر مفتوح بين الثقافات
أكد الدكتور شكري السعدي، الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب 2023 فرع الترجمة، أن الجائزة تعتبر إحدى أهم الجوائز العالمية المرموقة ومن أكثر الجوائز الأدبية قيمة وقدراً، والفوز بها مطمح لكل مفكر وباحث ومترجم ومبدع عربياً كان أم أجنبياً. وهي بالنسبة له تثمين كريم لثمرات جهد مضن وشاق ناهز خمس سنوات. وتحدث السعدي في حواره لـ«الاتحاد» عن دوافع اختياره لترجمة كتاب «العبارة والمعنى» لجون سيرل، وعن راهن حركة الترجمة في الوطن العربي وأهمية الجائزة في خدمة الترجمة.
كتاب التداولية الأبرز
* ما الداعي إلى اختيار ترجمة كتاب «العبارة والمعنى» لمؤلفه فيلسوف اللغة الأميركي جون سيرل؟
– كتاب «العبارة والمعنى» من أمهات الكتب والمراجع الأساسية في حقل التداولية، وهو حقل من حقول العلوم اللغوية تتجاذبه اللسانيات وفلسفة اللغة، ويتناول قضايا تهم المشتغلين بالبلاغة وتحليل الخطاب. وهو من المصنفات الكبرى في موضوع «الأعمال اللغوية» التي تسمى أيضاً «أفعال الكلام». وهذا الكتاب اختتم به مؤلفه فيلسوف اللغة الأميركي جون سيرل الحلقة اللغوية ضمن تفكيره الفلسفي قبل أن ينتقل إلى مرحلة أخرى تتعلق بفلسفة الذهن. ويقوم هذا الكتاب على فكرة رئيسية يلخصها السؤال التالي: كيف يمكن أن يقول المتكلم شيئاً ويعني شيئاً آخر؟ ومعنى ذلك أن موضوعه يتعلق بالاختلاف بين المعنى الذي تفيده الجملة والمعنى الذي يقصده المتكلم، ويتجلى هذا الاختلاف الذي سعى سيرل إلى تحليله وتفسيره في مظاهر لغوية وبلاغية عديدة منها التخييل والاستعارة والتهكم والأعمال اللغوية غير المباشرة.
ومن دواعي اختيار هذا الكتاب أيضاً شهرة مؤلفه وهو الفيلسوف الأميركي جون روجرز سيرل الذي يعتبر من الفلاسفة اللسانيين البارزين. وكانت آراؤه في اللغة تتضمن مجمل ما أخذه عن معاصريه وما طوره هو نفسه من مفاهيم. وكان سيرل قوي النفَس المعرفي كثير الاقتراح والإبداع قليل التقليد والاتباع، ميالاً إلى مقارعة آراء جهابذة أهل عصره، ولا يكاد يستعرض من أعمالهم مقالة إلا فحصها ونقدها. وكان إلى ذلك حريصاً أيضاً على أن يجد لنفسه موقعاً بين النظريات الكبرى المتصارعة، مُصِرّاً على تمييز أطروحته عن أطاريح غيره وإن كانت قريبة مما يذهب إليه ويقول به.
لا أمانة مطلقة في الترجمة
* هل من السهل ترجمة كتاب سيرل الذي قلتم إن مؤلفه اختتم به الحلقة اللغوية من تفكيره الفلسفي بدقة وأمانة؟
– الأمانة المطلقة في الترجمة مستحيلة، لأن بعض أجزاء المعنى يمكن أن تضيع عند النقل من لغة إلى أخرى، ولأن بعض المعاني تكون شديدة الالتصاق ببنية اللغة النحوية والمعجمية فلا تلائم بالضرورة بنية اللغة المنقول إليها وعادات أهلها في الكلام، فاللغات لا تتكافأ في طرق تعبيرها عن التجربة البشرية، ولكن يمكن القول إنني كنت أميناً في حدود قدرتي واستطاعتي، والأمانة عندي هي أن تحرص على ألا يضيع من معنى النص الأصلي شيء، وأن تعبر في الوقت نفسه عن ذلك المعنى حسب عادات أهل اللغة المنقول إليها في الكلام وأعرافهم في التخاطب.
المجاورة والمحاورة والمجاوزة
* ما رأيكم في راهن حركة الترجمة في الوطن العربي في ظل المحدودية في عدد المؤسسات المنخرطة في هذا الإطار؟
– حجم الترجمات التي تنجز في الوطن العربي ما زال دون المأمول، والعرب مقصّرون في العناية بالترجمة قياساً إلى دول أوروبية غير كبيرة نسبياً مثل اليونان أو البرتغال، غير أنه يمكن القول إنه توجد اليوم أيضاً وقياساً إلى عشرية أو عشريتين مضتا صحوة «ترجمية» تتجلى في تزايد عدد الترجمات التي تنجز في مختلف أقطار الوطن العربي. وكذلك إنشاء المؤسسات والمعاهد المختصة في الترجمة وإطلاق الجهات والمجالس الساهرة على دعمها وإسنادها، وكذلك كثرة المؤتمرات والندوات العلمية التي تعقد خصيصاً لضبط استراتيجيات الترجمة والنظر في قضاياها بغية النهوض بها وتطويرها. وهذا أمر طبيعي لأن نقل العلوم المستحدثة والمعارف المستجدة إلى لغتنا خطوة ضرورية تمكن من تمثل تلك العلوم والمعارف واستيعابها قبل بلوغ مرحلة الإضافة إليها وتجاوزها، فبالترجمة تمر الثقافة العربية من مرتبة المجاورة إلى مرتبة المحاورة قبل الانتقال إلى مرتبة المجاوزة.
الجائزة محفّزة للترجمة
* كيف ترون جهود جائزة الشيخ زايد للكتاب في خدمة المشهد الثقافي في الوطن العربي والعالم؟
– جائزة الشيخ زايد للكتاب من الجوائز العالمية المرموقة ومن أكثر الجوائز الأدبية قيمة وأعلاها قدراً، وهي جائزة تُشَدُّ إليها كل سنة رحال المفكرين والباحثين والمبدعين والمترجمين من جميع أنحاء العالم، وتقدم فيها بحوث ودراسات وأعمال مكتوبة بلغات شتى أو مترجمة عن لغات عدة ولا يشترط فيها إلا أن تكون على صلة بالعربية لغة أو أدباً أو فكراً وثقافة.
وما يجعل الجائزة مطمحاً لهذه الأصناف من العلماء والمثقفين تعدد فروعها وتنوعها، فهي تشمل الفكر والإبداع وتتعلق بمختلف مجالات الآداب والعلوم الإنسانية، هذا فضلاً عن قيمتها المالية التي تكافئ جهود المؤلفين المبدعين والمفكرين مكافأة مجزية تدفعهم بفعل التنافس بينهم إلى عدم الاكتفاء بالحد الأدنى، وإلى تحسين أعمالهم وتجويدها وإخراجها في أحسن صورة وأبهى حلة.
ومن المجالات المتصلة بحقول الفكر والبحث والإبداع مجال الترجمة التي تعد بحق جسراً بين الثقافات المختلفة والمتباعدة. وما يميز جائزة الشيخ زايد للكتاب في هذا الباب أنها لا تقيد المترجمين بلغة من اللغات، فهي منفتحة على اللغات العالمية الكبرى التي تكتب بها الأعمال العلمية المؤثرة والآثار الأدبية الراقية، وهو ما يفسر كثرة الترشيحات في فرع الترجمة التي بلغت هذه السنة رقماً قياسياً هو 230 ترشيحاً، غير أن أكثرها كان مترجماً عن اللغتين الإنجليزية والفرنسية وهما اللغتان اللتان تنقل عنهما أغلب الترجمات العربية بحكم عوامل تاريخية وثقافية.
ومن حسنات جائزة الشيخ زايد للكتاب وخصالها المحمودة في فرع الترجمة على وجه الخصوص أنها تغري الناشئة والمتعلمين والباحثين مهما كانت أعمارهم بالإقبال على تعلم اللغات الأجنبية بغرض الاستفادة مما يكتب بها من منجزات علمية وفنية، فهي تحفّز روح المنافسة والتباري، ولاشك في أن المنافسة على هذه الجائزة كانت على أشدها منذ البداية، وقد جرت بين ترجمات عن كتب أصلية منسوبة إلى مؤلفين أفذاذ وفلاسفة وعلماء ومفكرين عالميين مشهورين، وأنجزها مترجمون محنّكون مشهود لهم بالكفاءة والاقتدار، وهم المترجمون الذين ظهرت أسماؤهم في القائمتين الطويلة والقصيرة للجائزة.
التعليقات مغلقة.