الدبلوماسية الثقافية تعزز بناء الشراكة بين الإمارات وتركيا
الدبلوماسية الثقافية تعزز بناء الشراكة بين الإمارات وتركيا
تشهد العلاقات الإماراتية – التّركية ازدهاراً ملحوظاً في خطوات التّواصل بين الدّولتين، في ظل حرص القيادتين فيهما على أهمية ترسيخ هذه العلاقات وتطويرها والدّفع بها قدماً في شتّى المجالات، وبخاصة الثقافية منها، بما يعود بالخير والنّماء على البلدين الصديقين وشعبيهما، ويوسّع قاعدة مصالحهما المشتركة، ويخدم الاستقرار والسّلام في المنطقة، وذلك تحت مظلة أنّ السياسة الإماراتية ومنذ النّهج الذي أرساه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، تنطلق في علاقاتها مع الدّول من رؤية مستقبلية تستشرف فيها آفاق التعاون والمصالح المشتركة التي يمكن أن تكون المعيار الأساس في ترسيخ علاقاتها الخارجية، مستفيدة في هذا من سلسلة متنوعة من الدبلوماسيات في مقدمتها «الدبلوماسية الثقافية» لبناء علاقات متوازنة تقوم على خطاب ثقافي إنساني عقلاني، وفق منهج «المسارات المتوازية» التي تتيح التعاون مع الجميع وفي كل القطاعات في وقت واحد.
مدّ الجسور وبناء الشراكات
وفي الواقع ونحن نتحدث عن عمق ومتانة العلاقات الثقافية الإماراتية التّركية، تتعين الإشارة إلى أنها تأتي من بوابة دبلوماسية مدّ الجسور وبناء الشراكات وتعظيم المصالح وإرساء قيم التعاون والصداقة بين الشعوب، وهذا ما يتجسد الآن بأوضح صورة في معرض «إكسبو 2020 دبي» الذي تشارك فيه تركيا بجناح خاص، وقد اعتبر السفير التّركي لدى الدولة توجاي تونشير، أنّ مشاركة بلاده في هذا الحدث العالمي الكبير الذي تنظمه الإمارات يمثل بداية مرحلة جديدة في العلاقات الثقافية بين البلدين.
وإذا عدنا إلى عام 2009، سنجد أن الإمارات التي تعتبر اليوم منصة عالمية جاذبة لكل المثقفين والفنانين في العالم، قد استضافت فعاليات فنية وإبداعية للمبدعين الأتراك، ومن ذلك مثلاً استضافة العاصمة أبوظبي لنخبة من التشكيليين، في مقدمتهم الفنانة سيرا سيلتيفي، في معرض تفاعلي استعرضوا من خلاله تجاربهم في الفنون التقليدية القديمة، كفن الأبرو، أو (صناعة الكتب الإسلامية القديمة) وفن القطع والمنمنات والتذهيب وتجليد الكتب والمخطوطات القديمة والخط العربي التركي.
ولا ننسى أيضاً في هذا السياق الإشارة إلى اهتمام مشروع «كلمة» للترجمة، بالأدب التّركي الرفيع، ونقله إلى العربية، ومن ذلك ترجمة روايتين للكاتب التركي سرقان أوزبورن، وهما «الباب العالي» و«إسطنبول بيت الخيال» ومختارات من القصة التركية القصيرة، لمجموعة من الكُتّاب الأتراك، ورواية «أساطير الأستانة» للكاتبة عشق سوقان، ثم كتاب «تاريخ تركيا المعاصر» للكاتب حميد بوسلان.
صناعة النشر
وفي محطة ثقافية أخرى شهد عام 2017 مشاركة نوعية لتركيا في القرية العالمية بدبي بجناح خاص تألق بشخصيته المتفردة التي يمتزج فيها سحر آسيا مع حداثة أوروبا، ملخصاً تجربة استثنائية نقلت الجمهور إلى أجواء سوق «كبالي جارشي» الذي يُعد من أقدم أسواق إسطنبول المغلقة، ثم التصميم البديع لواجهة الجناح، متمثل في بوابة «اني كابيسي» الخلابة والمزدانة بنقوش الشعار السلطاني «طغراء» من عهد السلطان عبدالحميد الثاني.
وفي مجال صناعة النشر ومعارض الكتب، تسجل مشاركة المؤسسات الثقافية التركية وعديد دور النشر بصورة قوية في معرضي أبوظبي والشارقة الدوليين للكتاب، مقابل حضور إماراتي نوعي في معرض إسطنبول للكتاب العربي، وبخاصة في نسخته السادسة – أكتوبر 2021، بتنظيم من جمعية اتحاد الناشرين الأتراك، وقد استفادت تركيا إلى حد كبير من الوجود العربي في هذا الحدث في مجالات التعليم والفكر واللغة العربية، وغيرها من مجالات المثاقفة الحضارية والتبادل الثقافي، وننوه هنا بأهمية الأدب الإماراتي بالنسبة للجمهور التركي من المتحدثين باللغة العربية، حيث يجد الإبداع الإماراتي مساحة متميزة في المشهد الثقافي التركي، الذي يجد في المقابل اهتماماً نوعياً من القراء الإماراتيين والعرب، وبخاصة في مجال الرواية، حيث يلقى كتاب من أمثال إليف شافاك، وناظم حكمت، وأورهان باموق، ونديم غورسيل مكانة مرموقة واهتماماً بالغاً بنتاجاتهم الإبداعية في مجالات الأدب المختلفة.
ويقودنا هذا للحديث عن جمعية الصداقة الإماراتية التركية في البرلمان التركي، وتبنيها لبرنامج تطوير العمل من الناحية الثقافية والاجتماعية والتجارية بين البلدين، وأيضاً جمعية الثقافة والعلوم الإماراتية – التركية، التي تضم نخبة المجتمع التركي من رجال أعمال ومثقفين وكُتّاب وفنانين ومبدعين، ودورها النوعي في نشر الثقافتين الإماراتية والتركية، المتبادلة بين الجانبين وإقامة أسابيع ثقافية في البلدين، للتعريف بالثقافة المشتركة والروابط الإسلامية بين الشعبين الصديقين. وفي السياق، أشاد رستم زيدان، رئيس لجنة الصداقة الإماراتية- التّركية بالدور الذي تلعبه الإمارات على الساحة السياسية، ودورها المميز في نشر ثقافة السلم والمحبة بين الشعوب، وخاصة الدّور الإنساني.
محطات كثيرة تصدرها «الفنّ السّابع» بفوز الفيلم التّركي «أعراف ما بين وبين» لمخرجته يشيم أسطا أوغلو، بجائزة اللؤلؤة السوداء في النسخة السادسة من مهرجان أبوظبي السينمائي، ومشاركة تركيا بأجنحة نوعية في فعاليات مهرجان الشيخ زايد التراثي، بعروض فلكلورية وثقافية وشعبية، بجانب الصناعات التقليدية، حيث يحتل الجنوب التركي وثقافته العربية اهتماماً بالغاً من جانب جمهور المهرجان.
وفي المجال السياحي، نجد أن تركيا وجهة للزائرين من الإمارات، كما أن الإمارات تُعد وجهة للزائرين الأتراك في مجالات السياحة الثقافية والتاريخية والدينية، ويشكّل السياح الأتراك نسبة عالية في زيارة متحف اللوفر أبوظبي، وجامع الشيخ زايد الكبير بأبوظبي، مما يظهر مكانة الدولة وجهة سياحية بارزة، وكذلك توقيع العديد من مذكرات التفاهم الثقافية بين البلدين، التي تسهم في تكريس علاقات التعاون، وفتح آفاق جديدة للعمل المشترك، وتطوير مفهوم الثقافة التشاركية، وتوسيع قاعدتها المؤسسية والجماهيرية.
التعليقات مغلقة.