الخصوبة: تراجع “مذهل” في نسبة الولادات عبر العالم
أكد باحثون أن العالم غير مستعد لمواجهة انهيار في عدد الولادات لما له من تأثير بالغ على المجتمعات.
وتسفر الظاهرة أيضا إلى تزايد معدل الشيخوخة، إذ يتوقع أن يتساوى عدد البالغين من العمر 80 عاما مع عدد المواليد الجدد.
ويعني تراجع معدل الخصوبة أن كل دولة تقريبا ستسجل تقلصا في عدد سكانها بحلول نهاية القرن. ويتوقع أن تشهد 23 دولة، من بينها إسبانيا واليابان، تناقص عدد سكانها إلى النصف بحلول عام 2100.
يقول البروفيسور، إبراهيم أبوبكر، من كلية لندن الجامعية: “لو أن هذه التوقعات نصفها فقط حقيقي، فإن الهجرة تصبح ضرورة لجميع الدول وليست خيارا”.
ويضيف: “علينا لكي ننجح أن نعيد التفكير في السياسات العالمية. فتوزيع السكان في سن العمل مسألة حتمية بالنسبة لازدهار الإنسانية أو أفولها”.
ما الذي يحدث؟
تراجع معدل الخصوبة الذي هو متوسط عدد ما يمكن أن تنجبه امرأة واحدة.
وإذا ما انخفض هذا المتوسط إلى ما يقارب 2.1 فإن عدد السكان يبدأ بالتراجع.
وفي خمسينيات القرن الماضي كانت المرأة تنجب ما معدله 4.7 أطفال.
وكشف باحثون في معهد القياسات الصحية والتقييم بجامعة واشنطن أن معدل الخصوبة في العالم تناقص إلى النصف تقريبا، إذ سجل 2.4 في عام 2017.
وتتوقع الدراسة المنشورة في مجلة لانست الصحية أن هذا المعدل سينخفض إلى أدنى من 1.7 بحلول 2100.
ونتيجة لذلك فإن الباحثين يتوقعون أن يصل عدد سكان الأرض إلى 9.7 مليارات نسمة بحلول 2064، قبل أن يتراجع إلى 8.8 مليارات نسمة بحلول نهاية القرن.
ويرى البروفسور كريستوفر موري، في تصريح لبي بي سي، أن هذا “تغيير كبير، إذ أن أغلب دول العالم تشهد تراجعا في عدد سكانها”.
وقال” أعتقد أنه أمر هائل إذا نظرنا إلى جميع زواياه، ولذلك علينا إعادة تنظيم المجتمعات”.
لماذا يتراجع معدل الخصوبة؟
الأمر لا يتعلق بالقدرة الجنسية، ولا بأي من الأشياء التي تتبادر إلى الأذهان كلما ناقشنا مسألة الخصوبة.
يتعلق الأمر بميل المزيد من النساء إلى الحصول على التعليم والعمل، بالإضافة إلى توفير موانع الحمل بشكل واسع، وهو ما جعل النساء يخترن إنجاب عدد أقل من الأولاد.
ومن هذه الناحية فإن تراجع معدل الخصوبة نتيجة إيجابية.
ماهي الدول الأكثر تأثرا؟
يتوقع أن ينهار عدد سكان اليابان من 128 مليون نسمة في عام 2017 إلى أقل من 53 مليون نسمة بحلول نهاية القرن.
وتواجه إيطاليا انهيارا مماثلا في عدد السكان، إذ يتوقع أن يتراجع عدد سكانها من 61 مليون نسمة إلى 28 مليون نسمة في الفترة نفسها.
ويشمل تناقص عدد السكان إلى النصف 23 دولة من بينها إسبانيا والبرتغال وتايلاند وكوريا الجنوبية، فضلا عن اليابان وإيطاليا.
أما الصين، أكبر دول العالم عددا، فإنها ستصل إلى ذروة 4.1 مليارات نسمة بعد أربعة أعوام، ثم يبدأ عدد سكانها في التناقص، ليصل 732 مليون نسمة بحلول عام 2100. وستحتل الهند حينها مركز أكبر دول العالم من حيث عدد السكان.
ويتوقع أن يصل عدد سكان بريطانيا إلى 75 مليون نسمة في عام 2063، ليتراجع بعدها إلى 71 مليون نسمة بحلول عام 2100.
وسيكون هذا الأمر مشكلة عالمية، إذ تسجل 183 دولة من أصل 195 معدل خصوبة أدنى من مستوى التعويض.
ما هي المشكلة؟
ربما يعتقد البعض أن هذا شيء إيجابي بالنسبة للبيئة، فتناقص عدد قليل من السكان يعني تناقص انبعاث الغازات، ويخفف من إزالة الغابات وتدميرها لصالح الزراعة.
ويرى البروفيسور موري أن هذا كله صحيح، باستثناء الشق المتعلق بانقلاب هرم الأعمار، أي عندما يصبح عدد المسنين أكبر من عدد الشباب، وما لذلك من آثار سلبية على المجتمعات.
توقعات الدراسة
ينخفض عدد من أعمارهم دون 5 أعوام من 681 مليون في عام 2017 إلى 401 مليون في عام 2100.
يرتفع عدد من أعمارهم فوق 80 عاما من 141 مليون في عام 2017 إلى 866 مليون في عام 2100.
ويضيف البروفيسور موري أن هذا الأمر “سيحدث تغييرات هائلة. ويقلقني ذلك لأن ابنتي عمرها 8 أعوام ولا أعرف كيف سيكون شكل العالم وقتها”.
من يدفع الضرائب في عالم في عالم مليء بالشيخوخة؟ من يدفع مصاريف الرعاية الصحية للمسنين؟ من يرعاهم أصلا؟ هل سيكون بمقدور الناس التقاعد عن العمل؟
يقول البروفيسور موري: “علينا أن نخفف الضرر”.
هل من حلول؟
استعملت بعض الدول، مثل بريطانيا، الهجرة وسيلة لتجديد فتوة سكانها والتعويض عن انهيار معدل الخصوبة.
ولكن هذا الحل يبطل مفعوله عندما تسجل جميع الدول تراجعا في عدد السكان. وننتقل، حسب البروفيسور موري، “من خيار الدول بين فتح الحدود أو غلقها إلى دفع تعويض للمهاجرين لأن عددهم لن يكون كافيا”.
وجربت بعض الدول سياسات من بينها إطالة عطلة الأمومة والأبوة، وتوفير خدمة رعاية الأطفال المجانية، ومنح تحفيزات مالية، وتوسيع حقوق العمل، ولكن لا تأثير لها في الواقع.
وتمكنت السويد من رفع معدل الخصوبة من 1.7 إلى 1.9، ولكن دولا أخرى فشلت في ذلك على الرغم من جهودها الكبيرة لتشجيع الولادة. ولا يزال معدل الخصوبة في سنغافورة حوالي 1.3.
ويقول البروفيسور موري: ” بعض الناس يسخرون من الأمر، فهم لا يتصورون أن يحدث ذلك. يعتقدون أن النساء يقررن لوحدهن إنجاب المزيد من الأطفال”، ولكن إذا لم نجد حلا فإن البشرية مهددة بالانقراض، في بضعة قرون طبعا”.
وحذر الباحثون من تعطيل التطور في مجال تعليم المرأة وحصولها على موانع الحمل.
ويقول البروفيسور ستين إيميل فولسيت: “إن معالجة تراجع عدد السكان سيكون مصدر قلق في العديد من الدول، ولكن لا ينبغي أن يعطل الجهود الرامية إلى رعاية صحة النساء الإنجابية، والتطور المسجل في مجال حقوق المرأة”.
ماذا عن أفريقيا؟
يتوقع أن يتضاعف عدد السكان في أفريقيا جنوب الصحراء ثلاث مرات، ليتجاوز 3 مليارات في عام 2100.
وتصبح نيجيريا حينها ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، بنحو 791 مليون نسمة.
ويقول البروفيسور موري: “إن العديد من الدول سيكون فيها عدد كبير من السكان من أصول أفريقية خلال هذه الفترة، وعليه يتحتم على دول العالم النظر بجدية إلى مسألة العنصرية لأن عددا كبيرا من سكانها ستكون أصولهم أفريقية”.
لماذا عتبة معدل الخصوبة 2.1؟
ربما نعتقد أن الرقم لابد يكون 2 أي كل أبوين لهما طفلان، وبالتالي يبقى عدد السكان على حاله. ولكن مهما كانت الرعاية الصحية متطورة فإن بقاء جميع الأطفال على قيد الحياة ليس مضمونا.
كما أن نسبة الذكور في الولادات أعلى بقليل من نسبة الإناث. ولذلك فإن معدل التعويض في الدول المتطورة هو 2.1.
وتحتاج الدول التي تكون معدلات وفيات الأطفال فيها مرتفعة إلى معدل خصوبة أعلى حتى تضمن التعويض.
التعليقات مغلقة.